" صفحة رقم ٣٤١ "
والفاء في ) فسينفقونها ( تفريع على العلة لأنهم لما كان الإنفاق دأبهم لتلك العلة المذكورة، كان مما يتفرع على ذلك تكرر هذا الانفاق في المستقبل، أي ستكون لهم شدائد من بأس المسلمين تضطرهم إلى تكرير الانفاق على الجيوش لدفاع قوة المسلمين.
وضمير ) ينفقونها ( راجع إلى الأموال لا بقيد كونها المنفَقة بل الأموال الباقية أو بما يكتسبونه.
و ) ثم ( للتراخي الحقيقي والرتبي، أي وبعد ذلك تكون تلك الأموال التي ينفقونها حسرة عليهم، والحسرة شدة الندامة والتلهفُ على ما فات، وأسندت الحسرة إلى الأموال لأنها سبب الحسرة بإنفاقها. ثم إن الإخبار عنها بنفس الحسرة مبالغة مثل الإخبار بالمصادر، لأن الأموال سبب التَحَسر لا سبب الحسرة نفسها.
وهذا إنذار بأنهم لا يحصلون من إنفاقهم على طائِل فيما أنفقوا لأجله، لأن المنفق إنما يتحسر ويندم إذا لم يحصُل له المقصود من إنفاقه. ومعنى ذلك أنهم ينفقون ليغلبوا فلا يغلِبون، فقد أنفقوا بعد ذلك على الجيش يومَ أُحُد : استأجر أبو سفيان ألفين من الأحابيش لقتال المسلمين يوم أُحُد. والأحابيش : فِرَق من كنانة تجمعت من أفذاذ شتى وحالفوا قريشاً وسكنوا حول مكة سمّو أحابيش جمع أحبوش وهو الجماعة أي الجماعات فكان ما أحرزوه من النصر كِفاءً لنصر يوم بدر، بل كان نصر يوم بدر أعظمَ. ولذلك اقتنع أبو سيفيان يوم أُحُد أن يقول ( يوم بيوم بدر والحرب سجال ) وكان يحسب أن النبي ( ﷺ ) قد قُتل وأن أبا بكر وعمر قتلا فخاب في حسابه، ثم أنفقوا على الأحزاب حين هاجموا المدينة ثم انصرفوا بلا طائِل، فكان إنفاقهم حسرة عليهم.
وقوله :( ثم يُغلبون ( ارتقاء في الإنذار بخيبتهم وخذلانهم، فإنهم بعد أن لم يحصلوا من إنفاقهم على طائِل تُوعدوا بأنهم سيغلبهم المسلمون بعد أن غلبوهم أيضاً يومَ بدر، وهو إنذار لهم بغلب فتح مكة وانقطاععِ دابر أمرهم، وهذا كالإنذار في قوله :( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ( ( آل عمران : ١٢ ) وإسناد الفعل إلى المجهول لكون فاعل الفعل معلوماً بالسياق فإن أهل مكة ما كانوا يقاتلون غير


الصفحة التالية
Icon