ومن قال : إنها أسماء السور فموضعها عنده الرفع على أنها عنده خبر ابتداء مضمر، أي هذه ﴿الم﴾، كما تقول : هذه سورة البقرة. أو تكون رفعا على الابتداء والخبر ذلك، كما تقول : زيد ذلك الرجل. وقال ابن كَيسان النحوي :﴿الم﴾ في موضع نصب، كما تقول : اقرأ ﴿الم﴾ أو عليك ﴿الم﴾. وقيل : في موضع خفض بالقسم، لقول ابن عباس : إنها أقسام أقسم الله بها.
الآية : ٢ ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾
قوله تعالى :﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ قيل : المعنى هذا الكتاب. و"ذلك" قد تستعمل في الإشارة إلى حاضر، وإن كان موضوعا للإشارة إلى غائب، كما قال تعالى في الإخبار عن نفسه جل وعز :﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [السجدة : ٦]، ومنه قول خُفاف بن نُدبة :
أقول له والرمح يأطر متنه | تأمل خفافا إنني أنا ذلكا |
قلت : وقد جاء "هذا" بمعنى "ذلك"، ومنه قوله عليه السلام في حديث أم حرام :"يركبون ثبج هذا البحر" أي ذلك البحر، والله أعلم. وقيل : هو على بابه إشارة إلى غائب.
واختلف في ذلك الغائب على أقوال عشرة، فقيل :"ذلك الكتاب" أي الكتاب الذي كتبتُ على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق لا ريب فيه، أي لا مبدل له. وقيل : ذلك الكتاب، أي الذي كتبتُ على نفسي في الأزل "أن رحمتي سبقت غضبي". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ :"لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده أن رحمتي تغلب غضبي" في رواية :"سبقت". وقيل :