الله عز وجل :﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى : ٤٠]. وقال :﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة : ١٩٤] والجزاء لا يكون سيئة. والقصاص لا يكون اعتداء، لأنه حق وجب، ومثله :﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ [آل عمران : ٥٤]. و ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً﴾ [الطارق : ١٥ - ١٦]. و ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ وليس منه سبحانه مكر ولا هزء إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم، وكذلك ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء : ١٤٢]. ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة : ٧٩]. وقال رسول الله ﷺ :"إن الله لا يمل حتى تملوا ولا يسأم حتى تسأموا". قيل : حتى بمعنى الواو أي وتملوا. وقيل المعنى وأنتم تملون. وقيل : المعنى لا يقطع عنكم ثواب أعمالكم حتى تقطعوا العمل. وقال قوم : إن الله تعالى يفعل بهم أفعالا هي في تأمل البشر هزء وخدع ومكر، حسب ما روى :"إن النار تجمد كما تجمد الإهالة فيمشون عليها ويظنونها منجاة فتخسف بهم". وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾ هم منافقو أهل الكتاب، فذكرهم وذكر استهزاءهم، وأنهم إذا خلوا إلى شياطينهم يعني رؤساءهم في الكفر - على ما تقدم قالوا : إنا معكم على دينكم ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ﴾ في الآخرة، يفتح لهم باب جهنم من الجنة، ثم يقال لهم : تعالوا، فيقبلون يسبحون في النار، والمؤمنون على الأرائك - وهي السرر - في الحجال ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم، فيضحك المؤمنون منهم، فذلك قول الله عز وجل :﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ أي في الآخرة، ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب، فذلك قوله تعالى :﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين : ٣٤ - ٣٥] إلى أهل النار ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين : ٣٦]. وقال قوم : الخداع من الله والاستهزاء هو استدراجهم بدرور النعم الدنيوية عليهم، فالله سبحانه وتعالى يظهر لهم من الإحسان في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم، ويستر عنهم من عذاب الآخرة، فيظنون أنه راض عنهم، وهو تعالى