وأما المالكية فبنوه على أصلهم في الأيمان أنها محمولة على النية أو السبب أو البساط الذي جرت عليه اليمين، فإن عدم ذلك فالعرف.
الثالثة- قوله تعالى :﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ السماء للأرض كالسقف للبيت، ولهذا قال وقوله الحق ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً﴾ [الأنبياء : ٣٢] وكل ما علا فأظل قيل له سماء، وقد تقدم القول فيه والوقف على "بناء" أحسن منه على "تتقون"، لأن قوله :﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً﴾ نعت للرب. ويقال : بنى فلان بيتا، وبنى على أهله - بناء فيهما - أي زفها. والعامة تقول : بنى بأهله، وهو خطأ، وكأن الأصل فيه أن الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة دخوله بها، فقيل لكل داخل بأهله : بان. وبنّى "مقصورا" شدد للكثرة، وابتنى دارا وبنى بمعنى، ومنه بنيان الحائط، وأصله وضع لبنة على أخرى حتى تثبت.
وأصل الماء موه، قلبت الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقلت ماه، فالتقى حرفان خفيان فأبدلت من الهاء همزة، لأنها أجلد، وهي بالألف أشبه، فقلت : ماء، الألف الأولى عين الفعل، وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء، وبعد الهمزة بدل من التنوين. قال أبو الحسن : لا يجوز أن يكتب إلا بألفين عند البصريين، وإن شئت بثلاث، فإذا جمعوا أو صغروا ردوا إلى الأصل فقالوا : مويه وأمواه ومياه، مثل جمال وأجمال.
الرابعة- قوله تعالى :﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾ الثمرات جمع ثمرة. ويقال : ثمر مثل شجر. ويقال ثمر مثل خشب. ويقال : ثمر مثل بدن. وثمار مثل إكام جمع ثمر. وسيأتي لهذا مزيد بيان في "الأنعام" إن شاء الله. وثمار السياط : عقد أطرافها.
والمعنى في الآية أخرجنا لكم ألوانا من الثمرات، وأنواعا من النبات. ﴿رِزْقاً﴾ طعاما لكم، وعلفا لدوابكم، وقد بين هذا قوله تعالى :﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً. ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً. فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَائِقَ غُلْباً. وَفَاكِهَةً وَأَبّاً. مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس : ٢٥ - ٣٢] وقد مضى الكلام في الرزق مستوفى والحمد لله.


الصفحة التالية
Icon