وروي : أن أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنما تجري على سطح الجنة منضبطة بالقدرة حيث شاء أهلها. والوقف على "الأنهار" حسن وليس بتام، لأن قوله :﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ﴾ من وصف الجنات. ﴿رِزْقاً ً﴾ مصدره، وقد تقدم القول في الرزق. ومعنى ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ يعني في الدنيا، وفيه وجهان : أحدهما : أنهم قالوا هذا الذي وعدنا به في الدنيا. والثاني : هذا الذي رزقنا في الدنيا، لأن لونها يشبه لون ثمار الدنيا، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك وقيل :"من قبل" يعني في الجنة لأنهم يرزقون ثم يرزقون، فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها، ثم أتوا منها في آخر النهار قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل، يعني أطعمنا في أول النهار، لأن لونه يشبه ذلك، فإذا أكلوا منها وجدوا لها طعما غير طعم الأول.
قوله :﴿وَأُتُوا﴾ فعلوا من أتيت. وقرأه الجماعة بضم الهمزة والتاء. وقرأ هارون الأعور "وأتوا" بفتح الهمزة والتاء. فالضمير في القراءة الأولى لأهل الجنة، وفي الثانية للخدام. ﴿بِهِ مُتَشَابِهاً﴾ حال من الضمير في "به"، أي يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم. قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم. وقال عكرمة : يشبه ثمر الدنيا ويباينه في جل الصفات. ابن عباس : هذا على وجه التعجب، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى الأسماء، فكأنهم تعجبوا لما رأوه من حسن الثمرة وعظم خلقها. وقال قتادة : خيارا لا رذل فيه، كقوله تعالى :﴿كِتَاباً مُتَشَابِهاً﴾ [الزمر : ٢٣] وليس كثمار الدنيا التي لا تتشابه، لأن فيها خيارا وغير خيار.
قوله :﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ﴾ ابتداء وخبر. وأزواج : جمع زوج. والمرأة : زوج الرجل. والرجل زوج المرأة. قال الأصمعي : ولا تكاد العرب تقول زوجة. وحكى الفراء أنه يقال : زوجة، وأنشد الفرزدق :
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي...
كساع إلى أسد الشرى يستبيلها


الصفحة التالية
Icon