رسول الله ﷺ يقول :" اقتلوا" الحيات صغيرها وكبيرها وأسودها وأبيضها فإن من قتلها كانت له فداء من النار ومن قتلته كان شهيدا". قال علماؤنا : وإنما كانت له فداء من النار لمشاركتها إبليس وإعانته على ضرر آدم وولده، فذلك كان من قتل حية فكأنما قتل كافرا. وقد قال رسول الله ﷺ :"لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا". أخرجه مسلم وغيره.
الرابعة- روى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود قال : كنا مع النبي ﷺ : بمنى فمرت حية فقال رسول الله ﷺ :"اقتلوها" فسبقتنا إلى حجر فدخلته، فقال رسول الله ﷺ :"هاتوا بسعفة ونار فأضرموها عليه نارا". قال علماؤنا : وهذا الحديث يخص نهيه عليه السلام عن المثلة وعن أن يعذب أحد بعذاب الله تعالى، قالوا : فلم يبق لهذا العدو حرمة حيث فاته حتى أوصل إليه الهلاك من حيث قدر.
فإن قيل : قد روي عن إبراهيم النخعي أنه كره أن تحرق العقرب بالنار، وقال : هو مثلة. قيل له : يحتمل أن يكون لم يبلغه هذا الأثر عن النبي ﷺ، وعمل على الأثر الذي جاء :" لا تعذبوا بعذاب الله" فكان على هذا سبيل العمل عنده.
فإن قيل : فقد روى مسلم عن عبدالله بن مسعود قال : كنا مع النبي ﷺ في غار وقد أنزلت عليه :﴿وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً﴾ [المرسلات : ١] فنحن نأخذها من فيه رطبة، إذ خرجت علينا حية، فقال :"اقتلوها"، فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا، فقال رسول الله ﷺ :" وقاها الله شركم كما وقاكم شرها". فلم يضرم نارا ولا احتال في قتلها. قيل له : يحتمل أن يكون لم يجد نارا فتركها، أو لم يكن الحجر بهيئة ينتفع بالنار هناك مع ضرر الدخان وعدم وصوله إلى الحيوان. والله أعلم. وقوله :"وقاها الله شركم" أي قتلكم إياها "كما وقاكم شرها" أي لسعها.


الصفحة التالية
Icon