الثامنة :- المشهور عندنا أن جلد الخنزير لا يدخل في الحديث ولا يتناوله العموم، وكذلك الكلب عند الشافعي. وعند الأوزاعي وأبي ثور : لا يطهر بالدباغ إلا جلد ما يؤكل لحمه. وروى معن بن عيسى عن مالك أنه سئل عن جلد الخنزير إذا دبغ فكرهه. قال ابن وضاح : وسمعت سحنونا يقول لا بأس به ؛ وكذلك قال محمد بن عبدالحكم وداود بن علي وأصحابه ؛ لقوله عليه السلام :"أيما مسك دبغ فقد طهر". قال أبو عمر : يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلود المعهود الانتفاع بها، فأما الخنزير فلم يدخل في المعنى لأنه غير معهود الانتفاع بجلده، إذ لا تعمل فيه الذكاة. ودليل آخر وهو ما قاله النضر بن شميل : إن الإهاب جلد البقر والغنم والإبل، وما عداه فإنما يقال له : جلد لا إهاب. قلت : وجلد الكلب وما لا يؤكل لحمه أيضا غير معهود الانتفاع به فلا يطهر ؛ وقد قال ﷺ :"أكل كل ذي ناب من السباع حرام" فليست الذكاة فيها ذكاة، كما أنها ليست في الخنزير ذكاة. وروى النسائي عن المقدام بن معد يكرب قال :"نهى رسول الله ﷺ عن الحرير والذهب ومياثر النمور "
التاسعة :- اختلف الفقهاء في الدباغ التي تطهر به جلود الميتة ما هو ؟ فقال أصحاب مالك وهو المشهور من مذهبه : كل شيء دبغ الجلد من ملح أو قرظ أو شب أو غير ذلك فقد جاز الانتفاع به. وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول داود. وللشافعي في هذه المسألة قولان : أحدهما : هذا، والآخر أنه لا يطهر إلا الشب والقرظ ؛ لأنه الدباغ المعهود على عهد النبي ﷺ، وعليه خرج الخطابي - والله أعلم - ما رواه النسائي عن ميمونة زوج النبي ﷺ أنه مر برسول الله ﷺ رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحصان ؛ فقال لهم رسول الله ﷺ :" لو أخذتم إهابها" قالوا. إنها ميتة، فقال رسول الله ﷺ :"يطهرها الماء والقرظ".


الصفحة التالية
Icon