أي لئن دعونا إلها غيره فقد قلنا إذا جورا ومحالا. والمعنى الثالث : أن يعبر بالقيام، عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله تعالى ومنابذة الناس ؛ كما تقول : قام فلان إلى أمر كذا إذا عزم عليه بغاية الجد.
الثانية :- قال ابن عطية : تعلقت الصوفية في القيام والقول بقول ﴿إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾.
قلت : وهذا تعلق غير صحيح هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته، وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم ؛ وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء. أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان ؛ هيهات بينهما والله ما بين الأرض والسماء. ثم هذا حرام عند جماعة العلماء، على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في "سبحان" عند قوله :﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً﴾ [الإسراء : ٣٧] ما فيه كفاية. وقال الإمام أبو بكر الطرسوسي وسئل عن مذهب الصوفية فقال : وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري ؛ لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ؛ فهو دين الكفار وعباد العجل، على ما يأتي.
الآية : ١٥ ﴿هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾
قوله تعالى :﴿هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ أي قال بعضهم لبعض : هؤلاء قومنا أي أهل عصرنا وبلدنا، عبدوا الأصنام تقليدا من غير حجة. ﴿لَوْلا﴾ أي هلا. ﴿يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ أي بحجة على عبادتهم الصنم. وقيل :﴿عَلَيْهِمْ﴾ راجع إلى الآلهة ؛ أي هلا أقاموا بينة على الأصنام في كونها آلهة ؛ فقولهم ﴿لَوْلا﴾ تحضيض بمعنى التعجيز ؛ وإذا لم يمكنهم ذلك لم يجب أن يلتفت إلى دعواهم.