قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أي سلطانهم عليهم بالإغواء وذلك حين قال لإبليس ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء : ٦٤]. وقيل ﴿أَرْسَلْنَا﴾ أي خلينا يقال أرسلت البعير أي خليته، أي خلينا الشياطين وإياهم ولم نعصمهم من القبول منهم. الزجاج : قيضنا ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزّاً﴾ قال ابن عباس : تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية وعنه تغريهم إغراء بالشر أمض أمض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار حكى الأول الثعلبي والثاني الماوردي والمعنى واحد الضحاك تغويهم إغواء مجاهد تشليهم إشلاء وأصله الحركة والغليان، ومنه الخبر المروي عن النبي ﷺ "قام إلى الصلاة ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء" وائتزت القدر ائتزازا اشتد غليانها والأز التهييج والأغراء قال الله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً﴾ أي تغريهم على المعاصي والأز الاختلاط. وقد أززت الشيء أؤزه أزا أي ضممت بعضه إلى بعض قاله الجوهري. ﴿فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ﴾ أي تطلب العذاب لهم. ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ قال الكلبي : آجالهم يعني الأيام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب وقال الضحاك الأنفاس ابن عباس :"أين نعد أنفاسهم في الدنيا كما نعد سنيهم" وقيل الخطوات وقيل اللذات وقيل اللحظات وقيل الساعات وقال قطرب : نعد أعمالهم عدا وقيل لا تعجل عليهم فإنما نؤخرهم ليزدادوا إثما روي أن المأمون قرأ هذه السورة فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه فقال إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد وقيل في هذا المعنى :

حياتك أنفاس تعد فكلما مضى نفس منك انتقصت به جزءا
يميتك ما يحيك في ليلة ويحدوك حاد ما يريد به الهزءا
ويقال : إن أنفاس ابن آدم بين اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس اثنا عشر ألف نفس في اليوم واثنا عشر ألفا في الليلة والله أعلم فهي تعد وتحصى إحصاء ولها عدد معلوم وليس لها مدد فما أسرع ما تنفد.


الصفحة التالية
Icon