حكاه عن أبي الخطاب وهو رئيس من رؤساء اللغة لا يشك في صدقه ؛ وقد روى عنه سيبويه وأنشد :
وإن تكتموا الداء لا نخفه | وإن تبعثوا الحرب لا نقعد |
كذا رواه أبو عبيدة عن أبي الخطاب بضم النون. وقال امرؤ القيس أيضا :
خفاهن من أنفاقهن كأنما | خفاهن ودق من عشي مجلب |
أي أظهرهن. وروى :“من سحاب مركب” بدل “من عشي مجلب”. وقال أبو بكر الأنباري وتفسير للآية آخر :
﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ﴾ انقطع الكلام على
﴿أَكَادُ﴾ وبعده مضمر أكاد آتي بها، والابتداء
﴿أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ﴾ قال ضابئ البرجمي :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني | تركت على عثمان تبكي حلائله |
أراد وكدت أفعل، فأضمر مع كدت فعلا كالفعل المضمر معه في القرآن.
قلت : هذا الذي أختاره النحاس ؛ وزيف القول الذي قبله فقال يقال : خفي الشيء يخفيه إذا أظهره، وقد حكى أنه يقال : أخفاه أيضا إذا أظهره، وليس بالمعروف ؛ قال : وقد رأيت علي ابن سليمان لما أشكل عليه معنى
﴿أُخْفِيهَا﴾ عدل إلى هذا القول، وقال معناه كمعنى
﴿أَخْفِيهَا﴾. قال النحاس : ليس المعنى على أظهر ولا سيما و
﴿أَخْفِيهَا﴾ قراءة شاذة، فكيف ترد القراءة الصحيحة الشائعة إلى الشاذة، والمضمر أولى ؛ ويكون التقدير : إن الساعة آتية أكاد آتي بها ؛ ودل
﴿آتِيَةٌ﴾ على أتي بها ؛ ثم قال :
﴿أخْفِيها﴾ على الابتداء. وهذا معنى صحيح ؛ لأن الله عز وجل قد أخفى الساعة التي هي القيامة، والساعة التي يموت فيها الإنسان ليكون الإنسان يعمل، والأمر عنده مبهم فلا يؤخر التوبة.