فيه مسألتان :-
الأولى : قال العلماء : لما لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرفهما الله سبحانه أن فرعون لا يصل إليهما ولا قومه. وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم. ولقد أحسن البصري رحمه الله حين قال للمخبر عن عامر بن عبد الله - أنه نزل مع أصحابه في طريق الشام على ماء، فحال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له : فقد خاطرت بنفسك. فقال : لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي من أن يعلم الله أني أخاف شيئا سواه - قد خاف من كان خيرا من عامر ؛ موسى ﷺ حين قال له :﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص : ٢٠ - ٢١] وقال :﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص : ١٨] وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم :﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى. قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ﴾ [طه : ٦٧ - ٦٨].
قلت ومنه حفر النبي ﷺ الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم، مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحدا ؛ ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة إلى الحبشة، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة ؛ وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. وقد قالت أسماء بنت عميس لعمر لما قال لها سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله ﷺ منكم كذبت يا عمر، كلا والله كنتم مع رسول الله ﷺ، يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار - أو أرض - البعداء البغضاء في الحبشة ؛ وذلك في الله ورسوله ؛ وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله ﷺ ونحن كنا نؤذي ونخاف. الحديث بطوله خرجه مسلم. قال العلماء : فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله نفوس بني آدم


الصفحة التالية
Icon