قوله تعالى :﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ أي اتبعهم ومعه جنوده، وقرئ ﴿فَاتَّبَعَهُمْ﴾ بالتشديد فتكون الباء في ﴿بِجُنُودِهِ﴾ عدت الفعل إلى المفعول الثاني ؛ لأن اتبع يتعدى إلى مفعول واحد. أي تبعهم ليلحقهم بجنوده أي مع جنوده كما يقال : ركب الأمير بسيفه أي مع سيفه. ومن قطع “فأتبع” يتعدى إلى مفعولين : فيجوز أن تكون الباء زائدة، ويجوز أن يكون اقتصر على مفعول واحد. يقال : تبعه وأتبعه ولحقه وألحقه بمعنى واحد. وقوله :﴿بِجُنُودِهِ﴾ في موضع الحال ؛ كأنه قال : فأتبعهم سائقا جنوده. ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ أي أصابهم من البحر ما غرقهم، وكرر على معنى التعظيم والمعرفة بالأمر. ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ أي أضلهم عن الرشد وما هداهم إلى خير ولا نجاة ؛ لأنه قدر أن موسى عليه السلام ومن معه لا يفوتونه ؛ لأن بين أيديهم البحر. فلما ضرب موسى البحر بعصاه أنفلق منه اثنا عشر طريقا وبين الطرق الماء قائما كالجبال. وفي سورة الشعراء ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ أي الجبل الكبير ؛ فأخذ كل سبط طريقا. وأوحى الله إلى أطواد الماء أن تشكبي فصارت شبكات برى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض، وكان هذا من أعظم المعجزات، وأكبر الآيات، فلما أقبل فرعون ورأى الطرق في البحر والماء قائما أوهمهم أن البحر فعل هذا لهيبته، فدخل هو وأصحابه فانطبق البحر عليهم. وقيل إن قوله :﴿وَمَا هَدَى﴾ تأكيد لإضلاله إياهم. وقيل هو جواب قول فرعون ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر : ٢٩] فكذبه الله تعالى. وقال ابن عباس ﴿وَمَا هَدَى﴾ أي ما هدى نفسه بل أهلك نفسه وقومه.
الآيات : ٨٠ - ٨٢ ﴿يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى، وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾


الصفحة التالية
Icon