ويعيش عيشا رافغا ؛ كما قال الله تعالى :﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل ٩٧]. والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا، مسلط عليه الشح، الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشه ضنك، وحاله مظلمة، كما قال بعضهم : لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه، وكان في عيشة ضنك. وقال عكرمة :﴿ضَنْكاً﴾ كسبا حراما. الحسن : طعام الضريع والزقوم. وقول رابع وهو الصحيح أنه عذاب القبر ؛ قاله أبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود، ورواه أبو هريرة مرفوعا عن النبي ﷺ وقد ذكرناه في كتاب “التذكرة” ؛ قال أبو هريرة : يضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهو المعيشة الضنك. ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ قيل : أعمى في حال وبصيرا في حال ؛ وقد تقدم في آخر ﴿سُبْحَانَ﴾ [الإسراء ١] وقيل : أعمى عن الحجة ؛ قاله مجاهد. وقيل : أعمى عن جهات الخير، لا يهتدي لشيء منها. وقيل : عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه، كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه. ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى﴾ أي بأي ذنب عاقبتني بالعمى. ﴿وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً﴾ أي في الدنيا، وكأنه يظن أنه لا ذنب له. وقال ابن عباس ومجاهد : أي ﴿لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى﴾ عن حجتي ﴿وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً﴾ أي عالما بحجتي ؛ القشيري : وهو بعيد إذ ما كان للكافر حجة في الدنيا. ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا﴾ أي قال الله تعالى له ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا﴾ أي دلالاتنا على وحدانيتنا وقدرتنا. ﴿فَنَسِيتَهَا﴾ أي تركتها ولم تنظر فيها، وأعرضت عنها. ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ أي تترك في العذاب ؛ يريد جهنم. ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ﴾ أي وكما جزينا من أعرض عن القرآن، وعن النظر في المصنوعات، والتفكير فيها، وجاوز الحد في المعصية. ﴿وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ﴾ أي لم يصدق بها. ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ﴾ أي أفظع من المعيشة الضنك، وعذاب القبر. ﴿وَأَبْقَى﴾ أي أدوم وأثبت ؛ لأنه لا ينقطع ولا ينقضي.


الصفحة التالية
Icon