الذكر. وقيل : الذكر الرسول نفسه ؛ قال الحسين بن الفضل بدليل ما في سياق الآية ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الأنبياء : ٣] ولو أراد بالذكر القرآن لقال : هل هذا إلا أساطير الأولين ؛ ودليل هذا التأويل قوله تعالى :﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ. وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [القلم : ٥١ - ٥٢] يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. وقال :﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً. رَسُولاً﴾ [الطلاق : ١٠ - ١١]. ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ﴾ يعني محمدا ﷺ، أو القرآن من النبي ﷺ أو من أمته. ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ الواو واو الحال يدل عليه ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ ومعنى ﴿يَلْعَبُونَ﴾ أي يلهون. وقيل : يشتغلون ؛ فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به
وجهين :
أحدهما : بلذاتهم.
الثاني : بسماع ما يتلى عليهم.
وإن حمل تأويله حلى الشغل احتمل ما يتشاغلون به وجهين : أحدهما : بالدنيا لأنها لعب ؛ كما قال الله تعالى :﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ [محمد : ٣٦]. الثاني : يتشاغلون بالقدح فيه، والاعتراض عليه. قال الحسن : كلما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل وقيل : يستمعون القرآن مستهزئين.
قوله تعالى :﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ أي ساهية قلوبهم، معرضة عن ذكر الله، متشاغلة عن التأمل والتفهم ؛ من قول العرب : لهيت عن ذكر الشيء إذا تركته وسلوت عنه ألهى لهيا ولهيانا. و ﴿لاَهِيَةً﴾ نعت تقدم الاسم، ومن حق النعت أن يتبع المنعوت في جميع الإعراب، فإذا تقدم النعت الاسم انتصب كقوله :﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ [القلم : ٤٣] و ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا﴾ [الإنسان : ١٤] و ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ قال الشاعر :
لعزة موحشا طلل... يلوح كأنه خلل
أراد : طلل موحش. وأجاز الكسائي والفراء ﴿لاهِيَةٌ قُلُوبُهُمْ﴾ بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية. وأجاز غيرهما الرفع على أن يكون خبرا بعد خبر وعلى إضمار مبتدأ. وقال الكسائي : ويجوز أن يكون المعنى ؛ إلا استمعوه لاهية قلوبهم. ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب، ثم بين من هم فقال :﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي الذي أشركوا ؛ فـ ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ بدل من الواو في ﴿أَسَرُّوا﴾ وهو عائد على الناس المتقدم ذكرهم ؛ ولا يوقف على هذا


الصفحة التالية
Icon