﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ يريد أهل التوراة والإنجيل الذين آمنوا بالنبي ﷺ، قاله سفيان. وسماهم أهل الذكر ؛ لأنهم كانوا يذكرون خبر الأنبياء مما لم تعرفه العرب. وكان كفار قريش يراجعون أهل الكتاب في آمر محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن زيد : أراد بالذكر القرآن ؛ أي فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن ؛ قال جابر الجعفي : لما نزلت هذه الآية قال علي رضي الله عنه نحن أهل الذكر. وقد ثبت بالتواتر أن الرسل كانوا من البشر ؛ فالمعنى لا تبدؤوا بالإنكار وبقولكم ينبغي أن يكون الرسول من الملائكة، بل ناظروا المؤمنين ليبينوا لكم جواز أن يكون الرسول من البشر. والملك لا يسمى رجلا ؛ لأن الرجل يقع على ماله ضد من لفظه تقول رجل وامرأة، ورجل وصبي فقوله :﴿إِلَّا رِجَالاً﴾ من بني آدم. وقرأ حفص وحمزة والكسائي ﴿نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾.
مسألة : لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل :﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أجمعوا على أن الأعمى لا بدله من تقليد غيره ممن يثق بميزة بالقبلة إذا أشكلت عليه ؛ فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه، وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا ؛ لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم.
قوله تعالى :﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ الضمير في ﴿جَعَلْنَاهُمْ﴾ للأنبياء ؛ أي لم نجعل الرسل قبلك خارجين عن طباع البشر لا يحتاجون إلى طعام وشراب ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ يريد لا يموتون وهذا جواب لقولهم :﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [المؤمنون : ٣٣] وقولهم :﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ [الفرقان : ٧]. و﴿جَسَداً﴾ اسم جنس ؛ ولهذا لم يقل أجسادا، وقيل : لم يقل أجسادا ؛ لأنه أراد وما جعلنا كل واحد منهم جسدا. والجسد البدن ؛ تقول منه تجسد كما تقول من الجسم تجسم. والجسد أيضا الزعفران أو نحوه الصبغ، وهو الدم أيضا ؛ قاله النابغة :
وما أهريق على الأنصاب من جسد