مواشيهم ترعى بالنهار، والأغلب عندهم أن من عنده زرع يتعاهده بالنهار ويحفظه عمن أراده، فجعل حفظ ذلك بالنهار على أهل الزروع ؛ لأنه وقت التصرف في المعاش، كما قال الله سبحانه وتعالى :﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً﴾ [النبأ : ١١] فإذا جاء الليل فقد جاء الوقت الذي يرجع كل شيء إلى موضعه وسكنه ؛ كما قال الله تعالى :﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ [القصص : ٧٢] وقال :﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً﴾ [الأنعام : ٩٦] ويرد أهل المواشي مواشيهم إلى مواضعهم ليحفظوها، فإذا فرط صاحب الماشية في ردها إلى منزله، وفرط في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئا فعليه ضمان ذلك، فجرى الحكم الأوفق الأسمح، وكان ذلك أرفق بالفريقين، وأسهل على الطائفتين، وأحفظ للمالين، وقد وضح الصبح لذي عينين، ولكن لسليم الحاستين ؛ وأما قول الليث : لا يضمن أكثر من قيمة المال فقد قال أبو عمر : لا أعلم من أين قال هذا الليث بن سعد، إلا أن يجعله قياسا على العبد الجاني لا يفتك بأكثر من قيمته ولا يلزم سيده في جنايته أكثر من قيمته، وهذا ضعيف الوجه ؛ كما قال في “التمهيد” وفي “الاستذكار” فخالف الحديث في "العجماء جرحها جبار" وخالف ناقة البراء، وقد تقدمه إلى ذلك طائفة من العلماء منهم عطاء. قال ابن جريج قلت لعطاء : الحرث الماشية ليلا أو نهارا ؟ قال : يضمن صاحبها ويغرم. قلت : كان عليه حظرا أو لم يكن ؟ قال نعم! يغرم. قلت : ما يغرم ؟ قال : قيمة ما أكل حماره ودابته وماشيته. وقال معمر عن ابن شبرمة : يقوم الزرع على حاله التي أصيب عليها دراهم. وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما : يضمن رب الماشية ليلا أو نهارا، من طرق لا تصح.
السادسة عشرة : قال مالك : ويقوم الزرع الذي أفسدت المواشي بالليل على الرجاء والخوف. قال : والحوائط التي تحرس والتي لا تحرس، والمحظر عليها وغير المحظر سواء، يغرم أهلها ما أصابت بالليل بالغا ما بلغ، وإن كان أكثر من قيمتها. قال : وإن انفلتت دابة بالليل فوطئت على رجل نائم لم يغرم صاحبها شيئا، وإنما هذا في الحائط والزرع والحرث ؛ ذكره عنه ابن عبد الحكم. وقال ابن القاسم : ما أفسدت الماشية بالليل فهو في مال ربها،