أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة - ثم قرأ - قد أفلح المؤمنون" حتى ختم عشر آيات ؛ صححه ابن العربي. وقال النحاس : معنى "من أقامهن" من أقام عليهن ولم يخالف ما فيهن ؛ كما تقول : فلان يقوم بعمله. ثم نزل بعد هذه الآيات فرض الوضوء والحج فدخل معهن. وقرأ طلحة بن مصرف ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ بضم الألف على الفعل المجهول ؛ أي أبقوا في الثواب والخير. وقد مضى في أول "البقرة" معنى الفلاح لغة ومعنى، والحمد لله وحده.
الثانية : قوله تعالى :﴿خَاشِعُونَ﴾ روى المعتمر عن خالد عن محمد بن سيرين قال : كان النبي ﷺ ينظر إلى السماء في الصلاة ؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾. فجعل رسول الله ﷺ ينظر حيث يسجد. وفي رواية هشيم : كان المسلمون يلتفتون في الصلاة وينظرون حتى أنزل الله تعالى :﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ ؛ فأقبلوا على صلاتهم وجعلوا ينظرون أمامهم. وقد تقدم ما للعلماء في حكم المصلي إلى حيث ينظر في "البقرة" عند قول ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة : ١٤٤]. وتقدم أيضا معنى الخشوع لغة ومعنى في البقرة أيضا عند قوله تعالى :﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة : ٤٥]. والخشوع محله القلب ؛ فإذا خشع خشعت الجوارح كلها لخشوعه ؛ إذ هو ملكها، حسبما بيناه أول البقرة. وكان الرجل من العلماء إذا أقام الصلاة وقام إليها يهاب الرحمن أن يمد بصره إلى شيء وأن يحدث نفسه بشيء من الدنيا. وقال عطاء : هو ألا يعبث بشيء من جسده في الصلاة. وأبصر ﷺ صلى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال :"لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه". وقال أبو ذر قال النبي صلى الله عليه وسلم. "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يحركن الحصى". رواه الترمذي. وقال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon