الثالثة : البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته. ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله ؛ وقد قال ﷺ :"إياكم والجلوسَ على الطرقات" فقالوا : يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها. فقال :"فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال :"غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". رواه أبو سعيد الخدري، خرجه البخاري ومسلم. وقال ﷺ لعلي :"لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية". وروى الأوزاعي قال : حدثني هارون بن رئاب أن غزوان وأبا موسى الأشعري كانا في بعض مغازيهم، فكشفت جارية فنظر إليها غزوان، فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت، فقال : إنك للحاظة إلى ما يضرك ولا ينفعك ؛ فلقي أبا موسى فسأله فقال : ظلمت عينك، فاستغفر الله وتب، فإن لها أول نظرة وعليها ما كان بعد ذلك. قال الأوزاعي : وكان غزوان ملك نفسه فلم يضحك حتى مات رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله قال : سألت رسول الله ﷺ عن نظرة الفجاءة ؛ فأمرني أن أصرف بصري. وهذا يقوي قول من يقول : إن "من" للتبعيض ؛ لأن النظرة الأولى لا تملك فلا تدخل تحت خطاب تكليف، إذ وقوعها لا يتأتى أن يكون مقصودا، فلا تكون مكتسبة فلا يكون مكلفا بها ؛ فوجب التبعيض لذلك، ولم يقل ذلك في الفرج ؛ لأنها تملك. ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته ؛ وزمانه خير من زماننا هذا وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرمة نظر شهوة يرددها.
الرابعة : قوله تعالى :﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ أي يستروها عن أن يراها من لا يحل. وقيل :﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ أي عن الزنى ؛ وعلى هذا القول لو قال :"من فروجهم" لجاز. والصحيح أن الجميع مراد واللفظ عام. وروى بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال : قلت يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال :"احفظ


الصفحة التالية
Icon