قلت : وكذلك في جميع الأقوال لعدم ارتباطه بالآية ما عدا القول الأول، وأن هذا مثل ضربه الله تعالى لنوره، ولا يمكن أن يضرب لنوره المعظم مثلا تنبيها لخلقه إلا ببعض خلقه لأن الخلق لقصورهم لا يفهمون إلا بأنفسهم ومن أنفسهم، ولولا ذلك ما عرف الله إلا الله وحده، قاله ابن العربي. قال ابن عباس : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإن مسته النار زاد ضوءه، كذلك قلب المؤمن يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم زاده هدى على هدى ونورا على نور ؛ كقول إبراهيم من قبل أن تجيئه المعرفة :﴿هَذَا رَبِّي﴾، من قبل أن يخبره أحد أن له ربا ؛ فلما أخبره الله أنه ربه زاد هدى، فقال له ربه :﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة : ١٣١]. ومن قال إن هذا مثل للقرآن في قلب المؤمن قال : كما أن هذا المصباح يستضاء به ولا ينقص فكذلك القرآن يهتدى به ولا ينقص فالمصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة لسانه وفهمه والشجرة المباركة شجرة الوحي. ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ تكاد حجج القرآن تتضح ولو لم يقرأ. ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ يعني أن القرآن نور من الله تعالى لخلقه، مع ما أقام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن، فازدادوا بذلك نورا على نور. ثم أخبر أن هذا النور المذكور عزيز وأنه لا يناله إلا من أراد الله هداه فقال :﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾ أي يبين الأشباه تقريبا إلى الأفهام. ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي بالمهدي والضال. وروي عن ابن عباس أن اليهود قالوا : يا محمد، كيف يخلص نور الله تعالى من دون السماء فضرب الله تعالى ذلك مثلا لنوره.
الآيات : ٣٦ - ٣٨ ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾


الصفحة التالية
Icon