فتى موسى :﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ﴾ [الكهف : ٦٣]. ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ يريد البعث وكانوا ينسبون الموت إلى الأسباب ؛ فبين أن الله هو الذي يميت ويحيي. وكله بغير ياء :﴿يَهْدِينِ﴾ ﴿يَشْفِينِ﴾ لأن الحذف في رؤوس الآي حسن لتتفق كلها. وقرأ ابن أبي إسحاق على جلالته ومحله من العربية هذه كلها بالياء ؛ لأن الياء اسم وإنما دخلت النون لعلة. فإن قيل : هذه صفة لجميع الخلق فكيف جعلها إبراهيم دليلا على هدايته ولم يهتد بها غيره ؟ قيل : إنما ذكرها احتجاجا على وجوب الطاعة ؛ لأن من أنعم وجب أن يطاع ولا يعصى ليلتزم غيره من الطاعة ما قد التزمها ؛ وهذا إلزام صحيح.
قلت : وتجوز بعض أهل الإشارات في غوامض المعاني فعدل عن ظاهر ما ذكرناه إلى ما تدفعه بدائه العقول من أنه ليس المراد من إبراهيم. فقال :﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾ أي يطعمني لذة الإيمان ويسقين حلاوة القبول. ولهم في قوله :﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ وجهان : أحدهما : إذا مرضت بمخالفته شفاني برحمته. الثاني : إذا مرضت بمقاساة الخلق، شفاني بمشاهدة الحق. وقال جعفر بن محمد الصادق : إذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة. وتأولوا قوله :﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ على ثلاثة أوجه : فالذي يميتني بالمعاصي يحييني بالطاعات. الثاني : يميتني بالخوف ويحييني بالرجاء. الثالث : يميتني، بالطمع ويحييني بالقناعة. وقول رابع : يميتني بالعدل ويحييني بالفضل. وقول خامس : يميتني بالفراق ويحييني بالتلاق. وقول سادس : يميتني بالجهل ويحييني بالعقل ؛ إلى غير ذلك مما ليس بشيء منه مراد من الآية ؛ فإن هذه التأويلات الغامضة، والأمور الباطنة، إنما تكون لمن حذق وعرف الحق، وأما من كان في عمى عن الحق ولا يعرف الحق فكيف ترمز له الأمور الباطنة، وتترك الأمور الظاهرة ؟ هذا محال. والله أعلم.
قوله تعالى :﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ ﴿أَطْمَعُ﴾ أي أرجو. وقيل : هو بمعنى اليقين في حقه، وبمعنى الرجاء في حق المؤمنين سواه. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق :﴿خَطَايَايَ﴾ وقال : ليست خطيئة واحدة. قال النحاس : خطيئة بمعنى


الصفحة التالية
Icon