واحدة منهم باسم علم، لأنه لا يتميز للآدميين بعضهم من بعض، ولا هم أيضا واقعون تحت ملكة بني آدم كالخيل والكلاب ونحوها، فإن العلمية فيما كان كذلك موجودة عند العرب. فإن قلت : إن العلمية موجودة في الأجناس كثعالة وأسامة وجعار وقثام في الضبع ونحو هذا كثير ؛ فليس اسم النملة من هذا ؛ لأنهم زعموا أنه اسم علم لنملة واحدة معينة من بين سائر النمل، وثعالة ونحوه لا يختص بواحد من الجنس، بل كل واحد رأيته من ذلك الجنس فهو ثعالة، وكذلك أسامة وابن آوى وابن عرس وما أشبه ذلك. فإن صح ما قالوه فله وجه، وهو أن تكون هذه النملة الناطقة قد سميت بهذا الاسم في التوراة أو في الزبور أو في بعض الصحف سماها الله تعالى بهذا الاسم، وعرفها به الأنبياء قبل سليمان أو بعضهم. وخصت بالتسمية لنطقها وإيمانها فهذا وجه. ومعنى قولنا بإيمانها أنها قالت للنمل :﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ فقولها :﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ التفاتة مؤمن. أي من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألا يشعروا. وقد قيل : إن تبسم سليمان سرور بهذه الكلمة منها ؛ ولذلك أكد التبسم بقوله :﴿ضَاحِكاً﴾ إذ قد يكون التبسم من غير ضحك ولا رضا، ألا تراهم يقولون تبسم تبسم الغضبان وتبسم تبسم المستهزئين. وتبسم الضحك إنما هو عن سرور، ولا يسر نبي بأمر دنيا ؛ وإنما سر بما كان من أمر الآخرة والدين. وقولها :﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ إشارة إلى الدين والعدل والرأفة. ونظير قول النملة في جند سليمان :﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ قول الله تعالى في جند محمد ﷺ :﴿فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الفتح : ٢٥]. التفاتا إلى أنهم لا يقصدون هدر مؤمن. إلا أن المثني على جند سليمان هي النملة بإذن الله تعالى، والمثني على جند محمد ﷺ هو الله عز وجل بنفسه ؛ لما لجنود محمد ﷺ من الفضل على جند غيره من الأنبياء ؛ كما لمحمد ﷺ فضل على جميع النبيين صلى الله عليهم وسلم أجمعين. وقرأ شهر بن حوشب :﴿مَسَكِنَكُمْ﴾ بسكون السين على الإفراد. وفي مصحف أبي ﴿مَسَكِنَكُنَّ لا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾. وقرأ سليمان التيمي :﴿مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُنَّ﴾ ذكره النحاس ؛ أي لا يكسرنكم بوطئهم عليكم وهم لا يعلمون بكم


الصفحة التالية
Icon