أتخذت له تابوتا من بردي وقيرته بالقار من داخله، ووضعت فيه موسى وألقته في نيل مصر وقد مضى خبره في ﴿طه﴾ قال ابن عباس : إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي، فسلط الله عليهم القبط، وساموهم سوء العذاب، إلى أن نجاهم الله على يد موسى قال وهب : بلغني أن فرعون ذبح في طلب موسى سبعين ألف وليد ويقال : تسعون ألفا ويروي أنها حين اقتربت وضربها الطلق، وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصافية لها، فقالت : لينفعني حبك اليوم، فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه، وأرتعش كل مفصل منها، ودخل حبه قلبها، ثم قالت : ما جئتك إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون، ولكني وجدت لابنك حبا ما وجدت مثله قط، فاحفظيه ؛ فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور نارا لم تعلم ما تصنع لما طاش عقلها، فطلبوا فلم يلفوا شيئا، فخرجوا وهي لا تدري مكانه، فسمعت بكاءه من التنور، وقد جعل الله عليه النار بردا وسلاما.
قوله تعالى :﴿وَلا تَخَافِي﴾ فيه وجهان : أحدهما : لا تخافي عليه الغرق ؛ قاله ابن زيد الثاني : لا تخافي عليه الضيعة ؛ قاله يحيى بن سلام ﴿وَلا تَحْزَنِي﴾ فيه أيضا وجهان : أحدهما : لا تحزني لفراقه ؛ قاله ابن زيد الثاني : لا تحزني أن يقتل ؛ قاله يحيى بن سلام فقيل : إنها جعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار، وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في اليم بعد أن أرضعته أربعة أشهر وقال آخرون : ثلاثة أشهر وقال آخرون ثمانية أشهر ؛ في حكاية الكلبيوحكي أنه لما فرغ النجار من صنعة التابوت نم إلى فرعون بخبره، فبعث معه من يأخذه، فطمس الله عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق، فأيقن أنه المولود الذي يخاف منه فرعون، فآمن من ذلك الوقت ؛ وهو مؤمن آل فرعون ؛ ذكره الماوردي. وقال ابن عباس : فلما توارى عنها ندمها الشيطان وقالت في نفسها : لو ذبح عندي فكفنته وواريته لكان أحب إلي من إلقائه في البحر