قلت : فهذه أربع مسائل تضمنتها هذه المسألة
الأولى : التعيين، قال علماؤنا : أما التعيين فيشبه أنه كان في ثاني حال المراوضة، وإنما عرض الأمر مجملا، وعين بعد ذلك وقد قيل : إنه زوجه صفوريا وهي الصغرى يروى عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله ﷺ :"إن سئلت أي الأجلين قضي موسى فقل خيرهما وأوفاهما وإن سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى وهي التي جاءت خلفه وهي التي قالت :﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ القوي الأمين﴾. قيل : إن الحكمة في تزويجه الصغرى منه قبل الكبرى وإن كانت الكبرى أحوج إلى الرجال أنه توقع أن يميل إليها ؛ لأنه رأها في رسالته، وماشاها في إقباله إلى أبيها معها، فلو عرض عليه الكبرى ربما أظهر له الاختيار وهو يضمر غيره وقيل غير هذا ؛ والله أعلم وفي بعض الأخبار أنه تزوج بالكبرى ؛ حكاه القشيري.
الثانية : وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه ؛ فإما رسماه، وإلا فهو من أول وقت العقد.
الثالثة : وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهو أمر قد قرره شرعنا، وجري في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن ؛ رواه الأئمة ؛ وفي بعض طرقه : فقال له رسول الله ﷺ :"ما تحفظ من القرآن" فقال : سورة البقرة والتي تليها ؛ قال :"فعلمها عشرين آية وهي امرأتك" واختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : فكرهه مالك، ومنعه ابن القاسم، وأجازه ابن حبيب ؛ وهو قول الشافعي وأصحابه ؛ قالوا : يجوز أن تكون منفعة الحر صداقا كالخياطة والبناء وتعليم القرآن وقال أبو حنيفة : لا يصح، وجوز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة، أو يسكنها داره سنة ؛ لأن العبد والدار مال، وليس خدمتها بنفسه مالا وقال أبو الحسن الكرخي : إن عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز ؛ لقوله تعالى :﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ وقال أبو بكر الرازي : لا يصح لأن الإجارة عقد مؤقت، وعقد النكاح مؤبد، فهما متنافيان وقال ابن القاسم : ينفسخ قبل البناء ويثبت بعده.