الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب. وكانت الجن تخبر أنهم يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد ؛ ثم لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي واتكأ على عصاه على كرسيه، فمات ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد. قال أبو جعفر النحاس : وهذا أحسن ما قيل في الآية، ويدل على صحته الحديث المرفوع، روى إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال :"كان نبي الله سليمان بن دواد عليهما السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما اسمك ؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت ؛ فبينما هو يصلي ذات يوم إذا شجرة نابتة بين يديه قال ما اسمك ؟ قالت : الخرنوبة ؛ فقال : لأي شيء أنت ؟ فقالت : لخراب هذا البيت ؛ فقال : اللهم عم الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب ؛ فنحتها عصا فتوكأ عليها حولا لا يعلمون فسقطت، فعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة.
وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ﴿ تَبَيَّنَتِ الإنس أَنْ لَوْ الْجِنُّ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ﴾. وقرأ يعقوب في رواية رويس ﴿ بَُتُُيَّنَتِ الْجِنُّ ﴾ غير مسمى الفاعل. ونافع وأبو عمرو ﴿ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ﴾ بألف بين السين والتاء من غير همز. والباقون بهمزة مفتوحة موضع الألف، لغتان، إلا أن ابن ذكوان أسكن الهمزة تخفيفا، قال الشاعر في ترك الهمزة :
إذا دببت على المنساة من كبر... فقدتباعد عنك اللهو والغزل
وقال آخر فهمز وفتح :
ضربنا بمنسأة وجهه... فصار بذاك مهينا ذليلا
وقال آخر :
أمن أجل حبل لا أباك ضربته... بمنسأة قد جر حبلك أحبلا
وقال آخر فسكن همزها :
وقائم قد قام من تكأته... كقومة الشيخ إلى منسأته