وقوله في هذه الآية :﴿ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ وهذا ظاهر بين، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم، فإن الله أضلهم. وهذه الآية ترد على القدرية قولهم على ما تقدم ؛ أي أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا تريد أن تهديه، وإنما ذلك إلى الله لا إليك، والذي إليك هو التبليغ. وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن محيصن :﴿ فَلا تَذْهَبْ ﴾ بضم التاء وكسر الهاء ﴿ نَفْسَكَ ﴾ نصبا على المفعول، والمعنيان متقاربان. ﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ منصوب مفعول من أجله ؛ أي فلا تذهب نفسك للحسرات. و ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ صلة ﴿تذهب﴾، كما تقول : هلك عليه حبا ومات عليه حزنا. وهو بيان للمتحسر عليه. ولا يجوز أن يتعلق بالحسرات ؛ لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته. ويجوز أن يكون حالا كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر ؛ كما قال جرير :
مَشَقَ الهواجر لحمَهن مع السُّرى | حتى ذهبن كلاكلا وصدورا |
فعلى إثرهم تساقط نفسي | حسرات وذكرهم لي سقام |
الآية :[٩] ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ﴾
قوله تعالى :﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ ﴾ ميّت وميْت واحد، وكذا ميتة وميتة ؛ هذا قول الحذاق من النحويين. وقال محمد بن يزيه : هذا قول البصريين، ولم يستثن أحدا، واستدل على ذلك بدلائل قاطعة. وأنشد :
ليس من مات فاستراح بميت | إنما الميْت ميّت الأحياء |
إنما المت من يعيش كئيبا | كاسفا باله قليل الرجاء |