قراءة أكثر الناس ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ بضم العين وكسر اللام. وروي عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري أنهما قرأ ﴿غَلَبت الرُّومُ﴾ وقرأ ﴿سيُغلبون﴾. وحكى أبو حاتم أن عصمة روى عن هارون : أن هذه قراءة أهل الشام ؛ وأحمد بن حنبل يقول : إن عصمة هذا ضعيف، وأبو حاتم كثير الحكاية عنه، والحديث يدل على أن القراءة ﴿غُلبت﴾ بضم الغين، وكان في هذا الإخبار دليل على نبوة محمد ﷺ، لأن الروم غلبتها فارس، فأخبر الله عز وجل نبيه محمدا ﷺ أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، وأن المؤمنين يفرحون بذلك، لأن الروم أهل كتاب، فكان هذا من علم الغيب الذي أخبر الله عز وجل به مما لم يكن علموه، وأمر أبا بكر أن يراهنهم على ذلك وأن يبالغ في الرهان، ثم حرم الرهان بعد ونسخ بتحريم القمار. قال ابن عطية : والقراءة بضم الغين أصح، وأجمع الناس على ﴿سيغلبون﴾ أنه بفتح الياء، يراد به الروم. ويروى عن ابن عمر أنه قرأ أيضا بضم الياء في ﴿سيغلبون﴾، وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت الروايات به. قال أبو جعفر النحاس : ومن قر ﴿سيُغلبون ﴾ فالمعنى عنده : وفارس من بعد غلبهم، أي من بعد أن غلبوا، سيغلبون. وروي أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر ؛ كما في حديث أبي سعيد الخدري حديث الترمذي، وروي أن ذلك كان يوم الحديبية، وأن الخبر وصل يوم بيعة الرضوان ؛ قاله عكرمة وقتادة. قال ابن عطية : وفي كلا اليومين كان نصر من الله للمؤمنين. وقد ذكر الناس أن سبب سرور المسلمين بغلبة الروم وهمهم أن تغلب إنما هو أن الروم أهل كتاب كالمسلمين، وفارس من أهل الأوثان ؛ كما تقدم بيانه في الحديث. قال النحاس : وقول آخر وهو أولى - أن فرحهم إنما كان لإنجاز وعد الله تعالى ؛ إذ كان فيه دليل على النبوة لأنه أخبر تبارك وتعالى بما يكون في بضع سنين فكان فيه. قال ابن عطية : ويشبه أن يعلل ذلك بما يقتضيه النظر من محبة أن يغلب العدو الأصغر لأنه أيسر مؤونة، ومتى غلب الأكبر كثر الخوف منه ؛ فتأمل هذا المعنى، مع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم