حسن اليقين، أحب الله تعالى فأحبه، فمّن عليه بالحكمة، وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق ؛ فقال : رب، إن خيرتني قبلت العافية وتركت البلاء، وإن عزمت علّي فسمعا وطاعة فإنك ستعصمني ؛ ذكره ابن عطية. وزاد الثعلبي : فقالت له الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان ؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه المظلوم من كل مكان، إن يعن فبالحرى أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة. ومن يكن في الدنيا ذليلا فذلك خير من أن يكون فيها شريفا. ومن يختر الدنيا على الآخرة نفته الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه ؛ فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها. ثم نودي داود بعده فقبلها - يعني الخلافة - ولم يشترط ما اشترطه لقمان، فهوى في الخطيئة غير مرة، كل ذلك يعفو الله عنه. وكان لقمان يوازره بحكمته ؛ فقال له داود : طوبى لك يا لقمان! أعطيت الحكمة وصرف عنك البلاء، وأعطى داود الخلافة وابتلي بالبلاء والفتنة. وقال قتادة : خير الله تعالى لقمان بين النبوة والحكمة ؛ فاختار الحكمة على النبوة ؛ فأتاه جبريل عليه السلام وهو نائم فذر عليه الحكمة فأصبح وهو ينطق بها ؛ فقيل كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك ؟ فقال : إنه لو أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيها العون منه، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة، فكانت الحكمة أحب إلي.
واختلف في صنعته ؛ فقيل : كان خياطا ؛ قاله سعيد بن المسيب، وقال لرجل أسود : لا تحزن من أنك أسود، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان : بلال ومهجع مولى عمر ولقمان. وقيل : كان يحتطب كل يوم لمولاه حزمة حطب. وقال لرجل ينظر إليه : إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض. وقيل : كان راعيا، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال له : ألست عبد بني فلان ؟ قال بلى. قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : قدر الله، وأدائي الأمانة، وصدق الحديث،


الصفحة التالية
Icon