وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات الندب ؛ ومنه أمر الجهاد الكفاية، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة ؛ على أن هذا أقوى من الندب ؛ لكن يعلل بخوف هلكة عليها، ونحوه مما يبيح قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب. وخالف الحسن في هذا التفصيل فقال : إن منعته أمه من شهود العشاء شفقة فلا يطعها.
الثانية- قوله تعالي : لما خص تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة ؛ وأشبه ذلك قوله ﷺ حين قال له رجل من أبّر ؟ قال :"أمك" قال ثم من ؟ قال :"أمك" قال ثم من ؟ قال :"أمك" قال ثم من ؟ قال :"أبوك" فجعل له الّربع من المبرة كما في هذه الآية ؛ وقد مضى هذا كله في ﴿سبحان﴾.
الثالثة قوله تعالى :﴿وَهْناً عَلَى وَهْنٍ﴾ أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفا على ضعف. وقيل : المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل. وقرأ عيسى الثقفّي :﴿وَهْناً عَلَى وَهْنٍ﴾ بفتح الهاء فيهما ؛ ورويت عن أبي عمرو، وهما بمعنى واحد. قال قعنب بن أم صاحب :

هل للعواذل من ناه فيزجرها إن العواذل فيها الأين والوهن
يقال : وه ن يهن، ووهن يوهن ووهن، يهن ؛ مثل ورم يرم. وانتصب ﴿وَهْناً﴾ على المصدر ؛ ذكره القشيري. النحاس : على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر ؛ أي حملته بضعف على ضعف. وقرأ الجمهور :﴿وَفِصَالُهُ﴾ وقرأ الحسن ويعقوب :﴿وَفِصَلُهُ﴾ وهما لغتان، أي وفصاله في انقضاء عامين ؛ والمقصود من الفصال الفطام، فعبّر بغايته ونهايته. ويقال : انفصل عن كذا أي تميّز ؛ وبه سمي الفصيل.


الصفحة التالية
Icon