عن الحبة التي تقع في سفل البحر أيعلمها الله ؟ فراجعه لقمان بهذه الآية. وقيل : المعنى أنه أراد الأعمال، المعاصي والطاعات ؛ أي إن تك الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة يأت بها الله ؛ أي لا تفوت الإنسان المقدر وقوعها منه. وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف مضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى. وفي القول الأول ليس فيه ترجية ولا تخويف.
قوله تعالى :﴿مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ عبارة تصلح للجواهر، أي قدر حبة، وتصلح للأعمال ؛ أي ما يزنه على جهة المماثلة قدر حبة. ومما يؤيد قول من قال هي من الجواهر : قراءة عبدالكريم الجزري ﴿فَتَكُنْ﴾ بكسر الكاف وشد النون، من الكّن الذي هو الشيء المغطى. وقرأ جمهور القّراء :﴿إِنْ تَكُ﴾ بالتاء من فوق ﴿مِثْقَالَ﴾ بالنصب على خبر كان، واسمها مضمر تقديره : مسألتك، على ما روي، أو المعصية والطاعة على القول الثاني ؛ ويدل على صحته قول ابن لقمان لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله ؟ فقال لقمان له :﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ الآية. فما زال ابنه يضطرب حتى مات ؛ قاله مقاتل. والضمير في ﴿إِنَّهَا﴾ ضمير القصة ؛ كقولك : إنها هند قائمة ؛ أي القصة إنها إن تك مثقال حبة. والبصريون يجيزون : إنها زيد ضربته ؛ بمعنى إن القصة. والكوفيون لا يجيزون هذا إلا في المؤنث كما ذكرنا. وقرأ نافع :﴿مِثْقَالَ﴾ بالرفع، وعلى هذا ﴿تَكُ﴾ يرجع إلى معنى خردلة ؛ أي إن تك حبة من خردل. وقيل : أسند إلى المثقال فعلا فيه علامة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه ؛ لأن مثقال الحبة من الخردل إما سيئة أو حسنة ؛ كما قال :﴿فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ فأنث وإن كان المثل مذكرا ؛ لأنه أراد الحسنات. ومن هذا قول الشاعر :

مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
و ﴿تَكُ﴾ ها هنا بمعنى تقع فلا تقتضي خبرا.


الصفحة التالية
Icon