" صفحة رقم ٩٧ "
العلماء عليهم في هذين التأويلين بما فيه كفاية في أصول الدين وأقرب مالهم في الجواب أن يقال : فقد بطل عندنا وعندكم أن يهديهم الله سبحانه على طريق الإلجاء والإجبار والإكراه فصار يؤدي ذلك إلى مذهب الجبرية وهو مذهب رذل عندنا وعندكم فلم يبق إلا أن المهتدين من المؤمنين إنما هداهم الله تعالى إلى الإيمان والطاعة على طريق الاختيار حتى يصح التكليف فمن شاء آمن وأطاع اختيارا لا جبرا قال الله تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم وقال : فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ثم عقب هاتين الآيتين بقوله تعالى : وما تشاءون إلا أن يشاء الله فوقع إيمان المؤمنين بمشيئتهم ونفى أن يشاءوا إلا أن يشاء الله ولهذا فرطت المجبرة لما رأوا أن هدايتهم إلى الإيمان معذوق بمشيئة الله تعالى فقالوا : الخلق مجبورون في طاعتهم كلها التفاتا إلى قوله : وما تشاءون إلا أن يشاء الله وفرطت القدرية لما رأوا أن هدايتهم إلى الإيمان معذوق بمشيئة العباد فقالوا : الخلق خالقون لأفعالهم التفاتا منهم إلى قوله تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم ومذهبنا هو الاقتصاد في الإعتقاد وهو مذهب بين مذهبي المجبرة والقدرية وخير الأمور أوساطها وذلك أن أهل الحق قالوا : نحن نفرق بين ما اضطررنا إليه وبين ما اخترناه وهو أنا ندرك تفرقة بين حركة الارتعاش الواقعة في يد الإنسان بغير محاولته وإرادته ولا مقرونة بقدرته وبين حركة الاختيار إذا حرك يده حركة مماثلة لحركة الارتعاش ومن لا يفرق بين الحركتين : حركة الارتعاش وحركة الاختيار وهما موجودتان في ذاته ومحسوستان في يده بمشاهدته وإدراك حاسته فهو معتوه في عقله ومختل في حسه وخارج من حزب العقلاء وهذا هو الحق المبين وهو طريق بين طريقي الإفراط والتفريط و : كلا طرفي قصد الأمور ذميم