كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقاظا ورقودا ؛ فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم. وهذا ثابت في الخبر المرفوع، قال ﷺ :"إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا". وقال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي ؛ واستدل بهذه الآية. وقال السدي : لما بشر إبراهيم بإسحاق قبل أن يولد له قال هو إذا لله ذبيح. فقيل له في منامه : قد نذرت فف بنذرك. ويقال : إن إبراهيم رأى في ليلة التروية كأن قائلا يقول : إن الله يأمرك بذبح ابنك ؛ فلما أصبح روى في نفسه أي فكر أهذا الحلم من الله أم من الشيطان ؟ فسمي يوم التروية. فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضا وقيل له الوعد، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فسمي يوم عرفة. ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر. وروي أنه لما ذبحه قال جبريل : الله أكبر الله أكبر. فقال الذبيح : لا إله إلا الله والله أكبر. فقال إبراهيم : الله أكبر والحمد لله ؛ فبقي سنة. وقد اختلف الناس في وقوع هذا الأمر.
الثالثة : فقال أهل السنة : إن نفس الذبح لم يقع، وإنما وقع الأمر بالذبح قبل أن يقع الذبح، ولو وقع لم يتصور رفعه، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل ؛ لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء. وقوله تعالى :﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ﴾ : أي حققت ما نبهناك عليه، وفعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك. هذا أصح ما قيل به في هذا الباب. وقالت طائفة : ليس هذا مما ينسخ بوجه ؛ لأن معنى ذبحت الشيء قطعته. واستدل على هذا بقول مجاهد : قال إسحاق لإبراهيم لا تنظر آلي فترحمني، ولكن اجعل وجهي إلى الأرض ؛ فأخذ إبراهيم السكين فأمرها على حلقة فانقلبت. فقال له ما لك ؟ قال : انقلبت السكين. قال اطعني بها طعنا. وقال بعضهم : كان كلما قطع جزءا التأم. وقالت طائفة : وجد حلقه نحاسا أو مغشى بنحاس، وكان كلما أراد قطعا وجد منعا. وهذا كله جائز في القدرة الإلهية. لكنه يفتقر إلى نقل صحيح، فإنه أمر لا يدرك بالنظر وإنما طريقه الخبر. ولو كان قد جرى ذلك لبينه الله تعالى تعظيما لرتبة إسماعيل


الصفحة التالية
Icon