قوله تعالى :﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ ﴾ أي تكبر وامتناع من قبول الحق ؛ كما قال جل وعز :﴿وإذا وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالأِثْمِ ﴾ أخذته العزة بالإثم والعزة عند العرب : الغلبة والقهر. يقال : من عز بز ؛ يعني من غلب سلب. ومنه :﴿ وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ أراد غلبني. وقال جرير :

يعز على الطريق بمنكبيه كما ابترك الخليع على القداح
أراد يغلب. ﴿ وَشِقَاقٍ ﴾ أي في إظهار خلاف ومباينة. وهو من الشق كأن هذا في شق وذلك في شق. وقد مضى في "البقرة" مستوفى.
قوله تعالى :﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ﴾ أي قوم كانوا أمنع من هؤلاء. و ﴿ كَمْ﴾ لفظة التكثير ﴿ فَنَادَوْا ﴾ أي بالاستغاثة والتوبة. والنداء رفع الصوت ؛ ومنه الخبر :"ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا" أي أرفع. ﴿ وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ قال الحسن : نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ولا حين ينفع العمل. النحاس : وهذا تفسير منه لقوله عز وجل :﴿ولات حين مناص﴾ فأما إسرائيل فروى عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس :﴿ وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ قال : ليس بحين نزو ولا فرار ؛ قال : ضبط القوم جميعا قال الكلبي : كانوا إذا قاتلوا فاضطروا قال بعضهم لبعض مناص ؛ أي عليكم بالفرار والهزيمة، فلما أتاهم العذاب قالوا مناص ؛ فقال الله عز وجل :﴿ وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ قال القشيري : وعلى هذا فالتقدير : فنادوا مناص فحذف لدلالة بقية الكلام عليه ؛ أي ليس الوقت وقت ما تنادون به. وفي هذا نوع تحكم ؛ إذ يبعد أن يقال : كل من هلك من القرون كانوا يقولون مناص عند الاضطرار. وقيل : المعنى ﴿ وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ أي لا خلاص وهو نصب بوقوع لا عليه. قال القشيري : وفيه نظر لأنه لا معنى على هذا للواو في { وَلاتَ حِينَ


الصفحة التالية
Icon