السادسة عشرة- قيل : لما قضى داود بينهما في المسجد، نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك فلم يفطن داود ؛ فأحبا أن يعرفهما، فصعدا إلى السماء حيال وجهه، فعلم داود عليه السلام أن الله تعالى ابتلاه بذلك، ونبهه على ما ابتلاه.
قلت : وليس في القران ما يدل على، القضاء في المسجد إلا هذه الآية، وبها استدل من قال بجواز القضاء في المسجد، ولو كان ذلك لا يجوز كما قال الشافعي لما أقرهم داود على ذلك. ويقول : انصرفا إلى موضع القضاء. وكان النبي ﷺ والخلفاء يقضون في المسجد، وقد قال مالك : القضاء في المسجد من الأمر القديم. يعني في أكثر الأمور. ولا بأس أن يجلس في رحبته ؛ ليصل إليه الضعيف والمشرك والحائض، ولا يقيم فيه الحدود ؛ ولا بأس بخفيف الأدب. وقد قال أشهب : يقضي في منزله وأين أحب.
السابعة عشرة- قال مالك رحمه الله : وكان الخلفاء يقضون بأنفسهم، وأول من استقضى معاوية. قال مالك : وينبغي للقضاة مشاورة العلماء. وقال عمر بن عبدالعزيز : لا يستقضي حتى يكون عالما بآثار من مضى، مستشيرا لذوي الرأي، حليما نزها. قال : ويكون ورعا. قال مالك : وينبغي أن يكون متيقظا كثير التحذر من الحيل، وأن يكون عالما بالشروط، عارفا بما لا بد له منه من العربية ؛ فإن الأحكام تختلف باختلاف العبارات والدعاوى والإقرارات والشهادات والشروط التي تتضمن حقوق المحكوم له. وينبغي له أن يقول قبل إنجاز الحكم للمطلوب : أبقيت لك حجة ؟ فإن قال لا حكم عليه، ولا يقبل منه حجة بعد إنفاذ حكمه إلا أن يأتي بما له وجه أوبينة. وأحكام القضاء والقضاة فيما لهم وعليهم مذكورة في غير هذا الموضع.
الثامنة عشرة- قوله تعالى :﴿ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ﴾ اختلف المفسرون في الذنب الذي استغفر منه على أقوال ستة : الأول : أنه نظر إلى المرأة حتى شبع منها. قال سعيد بن جبير : إنما كانت فتنته النظرة. قال أبو إسحاق : ولم يتعمد داود النظر إلى المرأة لكنه عاود النظر إليها، فصارت الأولى له والثانية عليه. الثاني : أنه أغزى زوجها في حملة التابوت. الثالث :