نفر كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، قرشي وختناه ثقفيان، أو ثقفي وختناه قرشيان، فتكلموا بكلام لم أفهمه ؛ فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع كلامنا هذا، فقال الآخر : إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإذا لم نرفع أصواتنا لم يسمعه، فقال الآخر : إن سمع منه شيئا سمعه كله فقال عبدالله : فذكرت ذلك للنبي ﷺ فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ﴾ إلى قوله :﴿ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ قال : هذا حديث حسن صحيح. قال الثعلبي : والثقفي عبد ياليل، وختناه ربيعة وصفوان بن أمية. ومعنى ﴿ تَسْتَتِرُونَ ﴾ تستخفون في قول أكثر العلماء ؛ أي ما كنتم تستخفون من أنفسكم حذرا من شهادة الجوارح عليكم ؛ لأن الإنسان لا يمكنه أن يخفي من نفسه عمله، فيكون الاستخفاء بمعنى ترك المعصية. وقيل : الاستتار بمعنى الاتقاء ؛ أي ما كنتم تتقون في الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة فتتركوا المعاصي خوفا من هذه الشهادة. وقال معناه مجاهد. وقال قتادة :﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ ﴾ أي تظنون ﴿ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ﴾ بأن يقول سمعت الحق وما وعيت وسمعت ما لا يجوز من المعاصي ﴿ وَلا أَبْصَارُكُمْ ﴾ فتقول رأيت آيات الله وما اعتبرت ونظرت فيما لا يجوز ﴿ وَلا جُلُودُكُمْ ﴾ تقدم. ﴿ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ من أعمالكم فجادلتم على ذلك حتى شهدت عليكم جوارحكم بأعمالكم. روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ في قوله :﴿ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ﴾ قال :"إنكم تدعون يوم القيامة مفدمة أفواهكم بفدام فأول ما يبين عن الإنسان فخذه وكفه" قال عبدالله بن عبدالأعلى الشامي فأحسن :
العمر ينقص والذنوب تزيد | وتقال عثرات الفتى فيعود |
هل يستطيع جحود ذنب واحد | رجل جوارحه عليه شهود |
والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي | تقليلها وعن الممات يحيد |