الأتباع للمتبوعين ؛ دليله قوله تعالى :﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ ﴾[ سبأ : ٣١] الآية. قال سعيد عن قتادة : أي تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها. وعن ابن عباس نحو منه. وقيل : تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك من جهة النصح. والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح. وقيل :﴿تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴾ تأتوننا مجيء من إذا حلف لنا صدقناه. وقيل : تأتوننا من قبل الدين فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها.
قلت : وهذا القول حسن جدا ؛ لأن من جهة الدين يكون الخير والشر، واليمين بمعنى الدين ؛ أي كنتم تزينون لنا الضلالة. وقيل : اليمين بمعنى القوة ؛ أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر ؛ قال الله تعالى :﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ﴾ [الصافات : ٩٣] أي بالقوة وقوة الرجل في يمينه ؛ وقال الشاعر :
إذا ما راية رفعت لمجد | تلقاها عرابة باليمين |
أي بالقوة والقدرة. وهذا قول ابن عباس. وقال مجاهد :
﴿تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴾ أي من قبل الحق أنه معكم ؛ وكله متقارب المعنى.
﴿قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ قال قتادة : هذا قول الشياطين لهم. وقيل : من قول الرؤساء ؛ أي لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم منه إلى الكفر، بل كنتم على الكفر فأقمتم عليه للألف والعادة.
﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ أي من حجة في ترك الحق
﴿بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طَاغِينَ ﴾ أي ضالين متجاوزين الحد.
﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ﴾ هو أيضا من قول المتبوعين ؛ أي وجب علينا وعليكم قول ربنا، فكلنا ذائقون العذاب، كما كتب الله وأخبر على ألسنة الرسل
﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [السجدة : ١٣]. وهذا موافق للحديث :"إن الله جل وعز كتب للنار أهلا وللجنة أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم".
﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ ﴾ أي زينا لكم ما كنتم عليه من الكفر
﴿إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾ بالوسوسة والاستدعاء. ثم قال مخبرا عنهم :
﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ الضال والمضل.
﴿إِنَّا كَذَلِكَ ﴾ أي مثل هذا الفعل
﴿فْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴾ أي المشركين.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ أي إذا قيل لهم قولوا فأضمر القول.