الآية : ٩١ - ٩٦ ﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ، فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ، قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾
قوله تعالى :﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ ﴾ قال السدي : ذهب إليهم. وقال أبو مالك : جاء إليهم. وقال قتادة : مال إليهم. وقال الكلبي : أقبل عليهم. وقيل : عدل. والمعنى متقارب. فراغ يروغ روغا وروغانا إذا مال. وطريق رائغ أي مائل. وقال الشاعر :
ويريك من طرف اللسان حلاوة | ويروغ عنك كما يروغ الثعلب |
فقال :
﴿أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ فخاطبها كما يخاطب من يعقل ؛ لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة. وكذا قيل : كان بين يدي الأصنام طعام تركوه ليأكلوه إذا رجعوا من العيد، وإنما تركوه لتصيبه بركة أصنامهم بزعمهم. وقيل : تركوه للسدنة. وقيل : قرب هو إليها طعاما على جهة الاستهزاء ؛ فقال :
﴿أَلا تَأْكُلُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ﴾﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ﴾ خص الضرب باليمين لأنها أقوى والضرب بها أشد ؛ قال الضحاك والربيع بن أنس. وقيل : المراد باليمين اليمين التي حلفها حين قال :
﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ [الأنبياء : ٥٧]. وقال الفراء وثعلب : ضربا بالقوة واليمين القوة. وقيل : بالعدل واليمين ها هنا العدل. ومنه قوله تعالى :
﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ﴾ [الحاقة : ٤٤] أي بالعدل، فالعدل لليمين والجور للشمال. ألا ترى أن العدو عن الشمال والمعاصي عن الشمال والطاعة عن اليمين ؛ ولذلك قال :
﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴾ [الصافات : ٢٨] أي من قبل الطاعة. فاليمين هو موضع العدل من المسلم، والشمال موضع الجور. ألا ترى أنه بايع الله بيمينه يوم الميثاق، فالبيعة باليمين ؛ فلذلك يعطى كتابه غدا بيمينه ؛ لأنه وفي بالبيعة، ويعطى الناكث للبيعة الهارب برقبته من الله بشماله ؛ لأن الجور هناك. فقوله :
﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ﴾ أي بذلك العدل الذي كان بايع الله عليه يوم الميثاق ثم وفى له ها هنا. فجعل تلك الأوثان جذاذا، أي فتاتا كالجذيذة