قوله تعالى :﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ يدل على معنيين : أحدهما : أن الشفاعة بالحق غير نافعة إلا مع العلم، وأن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة. والثاني : أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها. ونحوه ما روي عن النبي ﷺ :"إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع". وقد مضى.
الآية : ٨٧ ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾
قوله تعالى :﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ أي لأقروا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا. ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون حتى أشركوا به غيره رجاء شفاعتهم له. يقال : أفكه يأفكه أفكا ؛ أي قلبه وصرفه عن الشيء. ومنه قوله تعالى :﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾ [الأحقاف : ٢٢]. وقيل : أي ولئن سألت الملائكة وعيسى ﴿مَنْ خَلَقَهُمْ﴾ لقالوا الله. ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ أي فأنى يؤفك هؤلاء في ادعائهم إياهم آلهة.
الآية : ٨٨ ﴿وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ﴾
قوله تعالى :﴿وَقِيلِهِ﴾ فيه ثلاث قراءات : النصب، والجر، والرفع. فأما الجر فهي قراءة عاصم وحمزة. وبقية السبعة بالنصب. وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هرمز ومسلم بن جندب. فمن جر حمله على معنى : وعنده علم الساعة وعلم قيله. ومن نصب فعلى معنى : وعنده علم الساعة ويعلم قيله ؛ وهذا اختيار الزجاج.
وقال الفراء والأخفش : يجوز أن يكون ﴿قيله﴾ عطفا على قوله :﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [الزخرف : ٨٠]. قال ابن الأنباري : سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأي شيء تنصب القيل ؟ فقال : أنصبه على "وعنده علم الساعة ويعلم قيله". فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على ﴿ترجعون﴾، ولا على ﴿يعلمون﴾. ويحسن الوقف على ﴿يكتبون﴾. وأجاز الفراء والأخفش أن ينصب القيل على معنى : لا نسمع سرهم ونجواهم