البعض إلى البعض ؛ كما قال :﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً﴾ [الزخرف : ٣٢]، فكان هذا لطفا بالعباد. وأيضا ليمتحن الغني بالفقير والفقير بالغني ؛ كما قال :﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾ [الفرقان : ٢٠] على ما تقدم بيانه. ﴿وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾
الآية : ٢٠ ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾
قوله تعالى :﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ الحرث العمل والكسب. ومنه قول عبدالله بن عمر : واحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ومنه سمي الرجل حارثا. والمعنى أي من طلب بما رزقناه حرثا لآخرته، فأدى حقوق الله وأنفق في إعزاز الدين ؛ فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر. ﴿وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا﴾ أي طلب بالمال الذي آتاه الله رياسة الدنيا والصل إلى المحظورات، فإنا لا نحرمه الرزق أصلا، ولكن لا حظ به في الآخرة من ماله ؛ قال الله تعالى :﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ [الإسراء : ١٨]. وقيل :﴿نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ نوفقه للعبادة ونسهلها عليه. وقيل : حرث الآخرة الطاعة ؛ أي من أطاع فله الثواب. قيل :﴿نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ أي نعطه الدنيا مع الآخرة. وقيل : الآية في الغزو ؛ أي من أراد بغزوه الآخرة أوتى الثواب، ومن أراد بغزوه الغنيمة أوتي منها. قال القشيري : والظاهر أن الآية في الكافر ؛ يوسع له في الدنيا ؛ أي لا ينبغي له أن يغتر بذ لك لأن الدنيا لا تبقى. وقال قتادة : إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا. وقال أيضا : يقول الله تعالى :"من عمل لآخرته زدناه في عمله وأعطيناه من الدنيا ما كتبنا له ومن أثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة


الصفحة التالية
Icon