وعبيدهم يسبونه ويضحكون به، حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة. فقال للجمحية :"ماذا لقينا من أحمائك" ؟ ثم قال :"اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، لمن تكلني إلى عبد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك". فرحمه ابنا ربيعة وقالا لغلام لهما نصراني يقال له عداس : خذ قطفا من العنب وضعه في هذا الطبق ثم ضعه بين يدي هذا الرجل، فلما وضعه بين يدي رسول الله ﷺ قال النبي ﷺ "باسم الله" ثم أكل، فنظر عداس إلى وجهه ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة فقال النبي ﷺ :"من أي البلاد أنت يا عداس وما دينك" قال : أنا نصراني من أهل نينوى. فقال له النبي ﷺ :"أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى" ؟ فقال : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ قال :"ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي" فانكب عداس حتى قبل رأس النبي ﷺ ويديه ورجليه. فقال له ابنا ربيعة : لم فعلت هكذا ؟ فقال : يا سيدي ما في الأرض خير من هذا، أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي.
ثم انصرف النبي ﷺ حين يئس من خير ثقيف، حتى إذا كان ببطن نخلة قام من الليل يصلي فمر به نفر من جن أهل نصيبين. وكان سبب ذلك أن الجن كانوا يسترقون السمع، فلما حرست السماء ورموا بالشهب قال إبليس : إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض، فبعث سراياه ليعرف الخبر، أولهم ركب نصيبين وهم أشراف الجن إلى تهامة، فلما بلغوا بطن نخلة سمعوا النبي ﷺ يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة ويتلو القرآن، فاستمعوا له وقالوا : أنصتوا. وقالت طائفة : بل أمر النبي ﷺ أن ينذر


الصفحة التالية
Icon