﴿ويعلم﴾ بالرفع، الباقون بالنصب. فالرفع على الاستئناف بعد الشرط والجزاء ؛ كقوله في سورة التوبة :﴿وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة : ١٤] ثم قال :﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة : ١٥] رفعا. ونظيره في الكلام : إن تأتني أتك ومنطلق عبدالله. أو على أنه خبر ابتداء محذوف. والنصب على الصرف ؛ كقوله تعالى :﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران : ١٤٢]صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافا كراهية لتوالي الجزم ؛ كقول النابغة :
فإن يهلك أبو قابوس يهلك... ربيع الناس والشهر الحرام
ويمسك بعده بذناب عيش... أجب الظهر ليس سنام
وهذا معنى قول الفراء، قال : ولو جزم ﴿ويعلم﴾ جاز. وقال الزجاج : نصب على إضمار ﴿أن﴾ لأن قبلها جزما ؛ تقول : ما تصنع أصنع مثله وإن شئت قلت. وأكرمك بالجزم. وفي بعض المصاحف ﴿وليعلم﴾. وهذا يدل على أن النصب بمعنى : وليعلم أو لأن يعلم. وقال أبو علي والمبرد : النصب بإضمار "أن" على أن يجعل الأول في تقدير المصدر ؛ أي ويكون منه عفو وأن يعلم فلما حمله. على الاسم أضمر أن، كما تقول : إن تأتني وتعطيني أكرمك، فتنصب تعطيني ؛ أي إن يكن منك إتيان وأن تعطيني. ومعنى ﴿من محيص﴾ أي من فرار ومهرب ؛ قاله قطرب السدي : من ملجأ وهو مأخوذ من قولهم : خاص به البعير حيصة إذا رمى به. ومنه قولهم : فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه.
الآية : ٣٦ ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾