فقال : لا أرى ذلك، هو عندي مخالف للأول، يقول الله تعالى :﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾ ويقول تعالى :﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ التوبة : ٩١] فلا أرى أن يجعله من ظلمه في حل. قال ابن العربي : فصار في المسألة ثلاثة أقوال : أحدها : لا يحلله بحال ؛ قال سعيد بن المسيب. الثاني : يحلله ؛ قاله محمد بن سيرين. الثالث : إن كان مالا حلله وإن كان ظلما لم يحلله ؛ وهو قول مالك. وجه الأول ألا يحلل ما حرم الله ؛ فيكون كالتبديل لحكم الله. ووجه الثاني أنه حقه فله أن يسقط كما يسقط دمه وعرضه. ووجه الثالث الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غلب على أداء حقك فمن الرفق به أن يتحلله، وإن كان ظالما فمن الحق ألا تتركه لئلا تغتر الظلمة ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة. وفي صحيح مسلم حديث أبي اليسر الطويل وفيه أنه قال لغريمه : اخرج إلي، فقد علمت أين أنت ؛ فخرج ؛ فقال : ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال : أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى ﷺ، وكنت والله معسرا. قال قلت : آلله ؟ قال الله ؛ قال : فأتى بصحيفة فمحاها فقال : إن وجدت قضاء فأقض، وإلا فأنت في حل... وذكر الحديث. قال ابن العربي : وهذا في الحي الذي يرجى له الأداء لسلامة الذمة ورجاء التمحل، فكيف بالميت الذي لا محاللة له ولا ذمة معه.
العاشرة : قال بعض العلماء : إن من ظلم وأخذ له مال فإنما له ثواب ما أحتبس عنه إلى موته، ثم يوجع الثواب إلى ورثته، ثم كذلك إلى آخرهم ؛ لأن المال يصير بعده للوارث. قال أبو جعفر الداودي المالكي : هذا صحيح في النظر ؛ وعلى هذا القول إن مات الظالم قبل من ظلمه ولم يترك شيئا أو ترك ما لم يعلم وارثه فيه بظلم لم تنتقل تباعة المظلوم إلى ورثة الظالم ؛ لأنه لم يبق للظالم ما يستوجبه ورثة المظلوم.