فإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي، شيئا لشغلهم بالعذاب. وقال مقاتل : لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم ؛ لأن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر.
الآية : ٤٠ ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾
قوله تعالى :﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ يا محمد ﴿وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ أي ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا ؛ ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. وفيه رد على القدرية وغيرهم، وأن الهدى والرشد والخذلان في القلب خلق الله تعالى، يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
الآية : ٤١ ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ﴾
قوله تعالى :﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش. ﴿فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ وهو الانتقام منهم في حياتك. ﴿فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ﴾ قال ابن عباس : قد أراه الله ذلك يوم بدر ؛ وهو قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة : هي في أهل الإسلام ؛ يريد ما كان بعد النبي ﷺ من الفتن. و ﴿نذهبن بك﴾ على هذا نتوفينك. وقد كان بعد النبي ﷺ نقمة شديدة فأكرم الله نبيه ﷺ وذهب به فلم يره في أمته إلا التي تقر به عينه وأبقى النقمة بعده، وليس من نبي إلا وقد أري النقمة في أمته. وروي أن النبي ﷺ أري ما لقيت أمته من بعده، فما زال منقبضا، ما انبسط ضاحكا حتى لقي، الله عز وجل. وعن ابن مسعود : أن النبي ﷺ قال :"إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعاه لها فرطا وسلفا. وإذا أراد الله بأمة عذابا عذبها ونبيها حي لتقر عينه لما كذبوه وعصوا أمره".