وقال في الأوليين :﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ وهو الديباج، وفي الأخريين ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ والعبقري الوشي، ولا شك أن الديباج أعلى من الوشي، والرفرف كسر الخباء، ولا شك أن الفرش المعدة للاتكاء عليها أفضل من فضل الخباء. وقال في الأوليين في صفة الحور :﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾، وفي الأخريين ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان. وقال في الأوليين :﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ وفي الأخريين ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ أي خضراوان كأنهما من شدة خضرتهما سوداوان، ووصف الأوليين بكثرة الأغصان، والأخريين بالخضرة وحدها، وفي هذا كله تحقيق للمعنى الذي قصدنا بقوله ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ ولعل ما لم يذكر من تفاوت ما بينهما أكثر مما ذكر. فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟ قل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى، والجنتان الأخريان لمن قصرت حال في الخوف من الله تعالى. ومذهب الضحاك أن الجنتين الأوليين من ذهب وفضة، والأخريين من ياقوت وزمرد وهما أفضل من الأوليين، وقوله :﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ أي من أمامهما ومن قبلهما. وإلى هذا القول ذهب أبو عبدالله الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" فقال : ومعنى ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ أي دون هذا إلى العرش، أي أقرب وأدنى إلى العرش، وأخذ يفضلهما على الأوليين بما سنذكره عنه. وقال مقاتل : الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى.
قوله تعالى :﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ أي خضراوان من الري، قال ابن عباس وغيره. وقال مجاهد : مسودتان. والدهمة في اللغة السواد، يقال : فرس أدهم وبعير أدهم وناقة دهماء أي أشتدت زرقته حتى البياض الذي فيه، فإن زاد على ذلك حتى اشتد السواد فهو جون. وادهم الفرس ادهماما أي صار أدهم. وادهام الشيء ادهيماما أي اسواد، قال الله


الصفحة التالية
Icon