قدر الأقوات فيها قواما للحيوانات، ومنها سيرهم في البلدان التي يشاهدون فيها أثار الهلاك النازل بالأمم المكذبة. والموقنون هم العارفون المحققون وحدانية ربهم، وصدق نبوة نبيهم ؛ خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بتلك الآيات وتدبرها. ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ قيل : التقدير وفي الأرض وفي أنفسكم آيات للموقنين. وقال قتادة : المعنى من سار في الأرض رأى آيات وعبرا، ومن تفكر في نفسه علم أنه خلق ليعبد الله. ابن الزبير ومجاهد : المراد سبيل الخلاء والبول. وقال السائب بن شريك : يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين ؛ ولو شرب لبنا محضا لخرج منه الماء ومنه الغائط ؛ فتلك الآية في النفس. وقال ابن زيد : المعنى أنه خلقكم من تراب، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم : ٢٠]. السدي :﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أي في حياتكم وموتكم، وفيما يدخل ويخرج من طعامكم. الحسن : وفي الهرم بعد الشباب، والضعف بعد القوة، والشيب بعد السواد. وقيل : المعنى وفي خلق أنفسكم من نطفة وعلقة ومضغة ولحم وعظم إلى نفخ الروح، وفي اختلاف الألسنة والألوان والصور، إلى غير ذلك من الآيات الباطنة والظاهرة، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول، وما خصت به من أنواع المعاني والفنون، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف والأبصار والأطراف وسائر الجوارح، وتأتيها لما خلقت له، وما سوى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني، وأنه إذا جسا شيء منها جاء العجز، وإذا استرخى أناخ الذل ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون : ١٤]. ﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ يعني بصر القلب ليعرفوا كمال قدرته. وقيل : إنه نجح العاجز، وحرمان الحازم.
قلت : كل ما ذكر مراد في الاعتبار. وقد قدمنا في آية التوحيد من سورة "البقرة" أن ما في بدن الإنسان الذي هو العالم الصغير شيء إلا وله نظير في العالم الكبير، وذكرنا هناك من الاعتبار ما يكفي ويغني لمن تدبر.