قلت : ومدين بالأرض المقدسة وهي قرية شعيب عليه السلام. وقيل : إن الطور كل جبل أنبت، وما لا ينبت فليس بطور ؛ قاله ابن عباس. وقد مضى في "البقرة" مستوفى.
قوله تعالى :﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ أي مكتوب ؛ يعني القرآن يقرؤه المومنون من المصاحف ويقرؤه الملائكة من اللوح المحفوظ ؛ كما قال تعالى :﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ [الواقعة : ٧٨]. وقيل : يعني سائر الكتب المنزلة على الأنبياء، وكان كل كتاب في رق ينشره أهله لقراءته. وقال الكلبي : هو ما كتب الله لموسى بيده من التوراة وموسى يسمع صرير القلم. وقال الفراء : هو صحائف الأعمال ؛ فمن أخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله ؛ نظيره :﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً﴾ [الإسراء : ١٣] وقوله :﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير : ١٠]. وقيل : إنه الكتاب الذي كتبه الله تعالى لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون. وقيل : المراد ما كتب الله في قلوب الأولياء من المؤمنين ؛ بيانه :﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ﴾ [المجادلة : ٢٢].
قلت : وفي هذا القول تجوز ؛ لأنه عبر بالقلوب عن الرق. قال المبرد : الرق ما رقق من الجلد ليكتب فيه، والمنشور المبسوط. وكذا قال الجوهري في الصحاح، قال : والرق بالفتح ما يكتب فيه وهو جلد رقيق. ومنه قوله تعالى :﴿فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ﴾ والرق أيضا العظيم من السلاحف. قال أبو عبيدة : وجمعه رقوق. والمعنى المراد ما قاله الفراء ؛ والله أعلم. وكل صحيفة فهي رق لرقة حواشيها ؛ ومنه قول المتلمس :

فكأنما هي من تقادم عهدها رق أتيح كتابها مسطور
وأما الرق بالكسر فهو الملك ؛ يقال : عبد مرقوق. وحكى الماوردي عن ابن عباس : أن الرق بالفتح ما بين المشرق والمغرب.
قوله تعالى :﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ قال علي وابن عباس وغيرهما : هو بيت في السماء حيال الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم يخرجون منه فلا يعودون إليه. قال


الصفحة التالية
Icon