أي ذا مقدار مسافة إصبع ﴿أَوْ أَدْنَى﴾ أي على تقديركم ؛ كقوله تعالى :﴿أََوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات : ١٤٧]. وفي الصحاح : وتقول بينهما قاب قوس، وقيب قوس وقاد قوس، وقيد قوس ؛ أي قدر قوس. وقرأ زيد بن علي ﴿قَادَ﴾ وقرئ ﴿قِيدَ﴾ و﴿قَدْرَ﴾. ذكره الزمخشري. والقاب ما بين المقبض والسية. ولكل قوس قابان. وقال بعضهم في قوله تعالى :﴿قَابَ قَوْسَيْنِ﴾ أراد قابي قوس فقلبه. وفي الحديث :"ولقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قده خير من الدنيا وما فيها" والقد السوط. وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : قال النبي ﷺ :"ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها". وإنما ضرب المثل بالقوس، لأنها لا تختلف في القاب. والله أعلم. قال القاضي عياض : آعلم أن ما وقع من إضافة الدنو والقرب من الله أو إلى الله فليس بدنو مكان ولا قرب مدى، وإنما دنو النبي ﷺ من ربه وقربه منه : إبانة عظيم منزلته، وتشريف رتبته، وإشراق أنوار معرفته، ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته. ومن الله تعالى له : مبرة وتأنيس وبسط وإكرام. ويتأول في قوله عليه السلام :"ينزل ربنا إلى سماء الدنيا" على أحد الوجوه : نزول إجمال وقبول وإحسان. قال القاضي : وقوله :﴿فكان قاب قوسين أو أدنى﴾ فمن جعل الضمير عائدا إلى الله تعالى لا إلى جبريل كان عبارة عن نهاية القرب، ولطف المحل، وإيضاح المعرفة، والإشراف على الحقيقة من محمد ﷺ، وعبارة عن إجابة الرغبة، وقضاء المطالب، وإظهار التحفي، وإنافة المنزلة والقرب من الله ؛ ويتأول في قوله عليه السلام :"من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" قرب بالإجابة والقبول، وإتيان بالإحسان وتعجيل المأمول. وقد قيل :﴿ثُمَّ دَنَا﴾ جبريل من ربه ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ قاله مجاهد. ويدل عليه ما روي في الحديث :"إن أقرب الملائكة من الله جبريل عليه السلام". وقيل :"أو" بمعنى الواو أي قاب قوسين وأدنى. وقيل : بمعنى بل أي بل أدنى. وقال سعيد بن المسيب : القاب صدر القوس العربية حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه، ولكل قوس قاب واحد. فأخبر أن جبريل قرب من محمد ﷺ كقرب قاب قوسين. وقال سعيد بن جبير وعطاء