ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على ظاهره أنهم يشهدون أن محمدا رسول الله ﷺ اعترافا بالإيمان ونفيا للنفاق عن أنفسهم، وهو الأشبه. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ كما قالوه بألسنتهم. ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ أي فيما أظهروا من شهادتهم وحلفهم بألسنتهم. وقال الفراء :﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ بضمائرهم، فالتكذيب راجع إلى الضمائر. وهذا يدل على أن الإيمان تصديق القلب، وعلى أن الكلام الحقيقي كلام القلب. ومن قال شيئا واعتقد خلافه فهو كاذب. وقد مضى هذا المعنى في أول "البقرة" مستوفى وقيل : أكذبهم الله في أيمانهم وهو قوله تعالى :﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ﴾
الآية :[٢] ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
فيه ثلاث مسأئل :
الأولى- قوله تعالى :﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ أي سترة. وليس يرجع إلى قوله ﴿نشهد إنك لرسول الله﴾ وإنما يرجع إلى سبب الآية التي نزلت عليه، حسب ما ذكره البخاري والترمذي عن ابن أبي أنه حلف ما قال وقد قال. وقال الضحاك : يعني حلفهم بالله ﴿إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ﴾ وقيل : يعني بأيمانهم ما أخبر الرب عنهم في سورة "التوبة" إذ قال :﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾
الثانية- من قال أقسم بالله أو أشهد بالله أو أعزم بالله أو أحلف بالله، أو أقسمت بالله أو أشهدت بالله أو أعزمت بالله أو أحلفت بالله، فقال في ذلك كله "بالله" فلا خلاف أنها يمين. وكذلك عند مالك وأصحابه إن قال : أقسم أو أشهد أو أعزم أو أحلف، ولم يقل "بالله"، إذا أراد "بالله". وإن لم يرد "بالله" فليس بيمين. وحكاه الكيا عن الشافعي، قال الشافعي : إذا قال أشهد بالله ونوى اليمين كان يمينا. وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو قال أشهد بالله لقد كان كذا كان يمينا، ولو قال