قوله تعالى :﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ لما ذكر الأحكام ذكر وحذر مخالفة الأمر، وذكر عتو قوم وحلول العذاب بهم. وقد مضى القول في "كأين" في "آل عمران" والحمد لله. ﴿عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ﴾ أي عصت ؛ يعني القرية والمراد أهلها. ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً﴾ أي جازيناها بالعذاب في الدنيا ﴿وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً﴾ في الآخرة. وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ؛ فعذبناها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وسائر المصائب، وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا. والنكر : المنكر. وقرئ مخففا ومثقلا ؛ وقد مضى في سور "الكهف". ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ أي عاقبة كفرها ﴿وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً﴾ أي هلاكا في الدنيا بما ذكرنا، والآخرة بجهنم. وجيء بلفظ الماضي كقوله تعالى :﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ﴾ ونحو ذلك ؛ لأن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة ؛ وما هو كائن فكأن قد. ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ بين ذلك الخسر وأنه عذاب جهنم في الآخرة. ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ أي العقول. ﴿الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً﴾ بدل من ﴿أُولِي الأَلْبَابِ﴾ أو نعت لهم ؛ أي يا أولي الألباب الذين آمنتم بالله اتقوا الله الذي أنزل عليكم القرآن ؛ أي خافوه واعملوا بطاعته وانتهوا عن معاصيه. وقد تقدم. قوله تعالى :" رَسُولاً " قال الزجاج : إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل ؛ أي أنزل إليكم قرآنا وأرسل رسولا. وقيل : إن المعنى قد أنزل الله إليكم صاحب ذكر رسولا ؛ "فرَسُولاً " نعت للذكر على تقدير حذف المضاف. وقيل : إن رسولا معمول للذكر لأنه مصدر ؛ والتقدير : قد أنزل الله إليكم أن ذكر رسولا. ويكون ذكره الرسول قوله :" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " ويجوز أن يكون "رسولا" بدل من ذكر، على أن يكون " رَسُولاً " بمعنى رسالة، أو على أن يكون على بابه ويكون محمولا على المعنى، كأنه قال : قد أظهر الله لكم ذكرا رسولا، فيكون من باب بدل الشيء من الشيء وهو هو. ويجوز أن ينتصب " رَسُولاً " على الإغراء كأنه قال : اتبعوا رسولا. وقيل : الذكر هنا الشرف، نحو قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon