وأن الله تعالى خلق لهم ضياء يستمدونه. وهذا قول من جعل الأرض كالكرة. وفي الآية قول ثالث حكاه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين منبسطة ؛ ليس : بعضها فوق بعض، تفرق بينها البحار وتظل جميعهم السماء. فعلى هذا إن لم يكن لأحد من أهل الأرض وصول إلى أرض أخرى اختصت دعوة الإسلام بأهل هذه الأرض، وإن كان لقوم منهم وصول إلى أرض أخرى احتمل أن تلزمهم دعوة الإسلام عند إمكان الوصول إليهم ؛ لأن فصل البحار إذا أمكن سلوكها لا يمنع من لزوم ما عم حكمه، واحتمل ألا تلزمهم دعوة الإسلام لأنها لو لزمتهم لكان النص بها وأردا، ولكان ﷺ بها مأمورا. والله أعلم ما استأثر بعلمه، وصواب ما أشتبه على خلقه. ثم قال :﴿يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ قال مجاهد : يتنزل الأمر من السموات السبع إلى الأرضين السبع. وقال الحسن : بين كل سماءين أرض وأمر. والأمر هنا الوحي ؛ في قول مقاتل وغيره. وعليه فيكون قوله :﴿ بَيْنَهُنَّ﴾ إشارة إلى بين هذه الأرض العليا التي، هي أدناها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها. وقيل : الأمر القضاء والقدر. وهو قول الأكثرين. فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى :﴿بَيْنَهُنَّ﴾ إشارة إلى ما بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها. وقيل :﴿يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ بحياة بعض وموت بعض وغنى قوم وفقر قوم. وقيل : هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره ؛ فينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنهار، والصيف والشتاء، ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيئاتها ؛ فينقلهم من حال إلى حال. قال ابن كيسان : وهذا على مجال اللغة وأتساعها ؛ كما يقال للموت : أمر الله ؛ وللريح والسحاب ونحوها. ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يعني أن من قدر على هذا الملك العظيم فهو على ما بينهما من خلقه أقدر، ومن العفو والانتقام أمكن ؛ وإن استوى كل ذلك، في مقدوره ومكنته. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ فلا يخرج شيء عن علمه وقدرته. ونصب " عِلْماً " على المصدر المؤكد ؛ لأن "أحاط" بمعنى علم. وقيل : بمعنى وأن الله أحاط إحاطة علما. ختمت السورة بحمد الله وعونه


الصفحة التالية
Icon