لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء إلا حيي. وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي. حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس. والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي.
قلت : وفي التنزيل ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ﴾ ثم ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾، ثم قال :﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾. فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم. وهو سبحانه المميت على الحقيقة، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط ؛ حسب ما ورد به الخبر الصحيح. وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر. والله أعلم. وعن مقاتل أيضا : خلق الموت ؛ يعني النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة ؛ يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا.
قلت : وهذا قول حسن ؛ يدل عليه قوله تعالى ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ وتقدم الكلام فيه في سورة "الكهف". وقال السدي في قوله تعالى :﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا، ومنه أشد خوفا وحذرا. وقال ابن عمر : تلا النبي ﷺ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ - حتى بلغ - أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فقال :"أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله". وقيل : معنى ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ ليعاملكم معاملة المختبر ؛ أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره، وبالحياة ليبين شكره. وقيل : خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة للابتلاء. فاللام في "ليبلوكم" تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت ؛ ذكره الزجاج. وقال الفراء والزجاج أيضا : لم تقع البلوى على " أَيِّ " لأن فيما بين البلوى و" أَيِّ " إضمار فعل ؛ كما تقول : بلوتكم لأنظر أيكم أطوع. ومثله قوله تعالى :﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ أي سلهم ثم انظر أيهم. فـ" ـأَيُّكُمْ " رفع بالابتداء و" أَحْسَنُ " خبره. والمعنى : ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا. ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في أنتقامه ممن عصاه. ﴿الْغَفُورُ﴾ لمن تاب.